الضمير الوطني ربان الحياة وبوصلتها القادرة على تحقيق مسيرة إنسانية حضارية، ذات قيمة معرفية وفكرية ومساهمات إبداعية متواكبة مع عصرها.
والإنسان الذي يغيب في دنياه الضمير الوطني لا يمكنه أن يأتي بخير، وتكون نشاطاته محكومة بإرادة السوء التي تتوطنه، ذلك أنه سيجد في أعماقه الخربة وطنا خاويا، لكنه لذيذ ينعش حاجاته ورغباته المطمورة، التي تمنحه الإحساس بأنانيته وسلطته وقوته الوهمية، وكأنه من الذين يتعاطون الكوكين والأفيون والماريوانا، وغيرها من عناصر الإدمان ووسائله وفنونه العجيبة.
وفيما يدور ويحصل في المنطقة بأسرها، عندما نتساءل عن الضمير الوطني وآليات التعبير عنه، يكون الجواب "يا ولدي، مفقود، مفقود، مفققققوووود"!!
ألا يخطر ببالنا أن نتساءل "أين الضمير الوطني؟"، عندما نكتب ونتحدث ونلقي الخطب والمواعظ وغيرها من وسائل التعبير عن الرأي. فمن العدوان على الذات والموضوع والتأريخ والتراث والمعتقد، أن يكون الضمير الوطني غير حاضر في معظم نشاطاتنا وتفاعلاتنا، إن لم يكن في جميعها.
فلا يوجد مجتمع يتحدث بالأساليب والآليات التي نتحدث ونكتب ونتواصل بها، وكأننا لسنا إلى العصر بصلة، ونعيش في كوكب آخر، فالعزلة الفكرية والثقافية التي نعاني منها، جعلتنا أشبه بمخلوقات الغاب قبل قرون عديدة، ذلك أن المخلوقات تعاصر وتتعلم وتتطور وتتواصل مع زمانها، لقوة إرادة البقاء والحفاظ على النوع الفاعلة في سلوكها.
أما ما يجري في واقعنا بصورة عامة، فأنه يكشف انقطاعا مرعبا عن الزمن المعاصر، بل أن أبناء المجتمع الذين في مجتمعات أخرى، لا يعيشون فيها، ولا يتفاعلون معها، وإنما يتمعهدون في عوالمهم وكياناتهم المعرفية المنحرفة، وينطلقون منها نحو رفد وتغذية التفاعلات المجردة من الضمير الوطني في مجتمعاتهم الأم.
فهم يتواجدون في مجتمعات فيها كل الأجناس والمعتقدات البشرية، لكنهم يتكلمون بأحادية وتطرفية وانحراف فكري وثقافي، وعدواني شديد الإضرار بأبناء المجتمعات التي جاؤوا منها.
ولا يمكن تفسير هذا السلوك إلا من خلال العجز عن التواصل والتفاعل والتجدد والإدراك الفكري والنفسي، للمعطيات الناجمة عن التمترس في حالات مجردة من الضمير الوطني والإنساني، الفاعل الملتزم بموازين المحبة والخير والألفة والأخوة، والجوهر الوطني الذي يراعي المصالح المشتركة، ويسعى إلى بناء العقد الاجتماعي الرشيد.
ومن الأنفع أن نتساءل عن دور الضمير الوطني فيما نقوم به ونقوله ونكتبه، لأن في ذلك مسؤولية أخلاقية وإنسانية، ولا بد أن نغمض عيون السوء التي فينا!!
واقرأ أيضاً:
الحياة إرادة الموجودات!! / حرير وخرير!! / التعايش والانتعاش!! / السلطة والدولة!!