أمضى العرب قرنا كاملا في محنة العلاقة ما بين السلطة والدولة، وفشلوا في بناء الدولة والسلطة معا!!
ولو نظرنا لأية دولة عربية لوجدناها لا تمثل دولة بالمفهوم المعاصر للدولة، ولا تمثل سلطة كذلك، فالدول العربية بأسرها تفتقر للبنى التحتية ومرتكزات التنمية، وسلطاتها واهية معتمدة على الآخرين، أي أنها محكومة بإرادة غيرية. وجميعها أمعنت في الآليات السلطوية وتناست الدولة كبناء وحالة متكاملة تساهم في تطويرها الأجيال، فتولدت سلطات عسكرية وحزبية وعائلية وفئوية تفتقر لمقومات القيادة، وقدرات بناء الدولة التي يسعد بها المواطن ويتطور.
وبعد تهاوي بعض الأنظمة، وجدتنا ننحدر إلى أسفل سافلين، ونمعن بالإستحواذ على السلطات والتصارع عليها، فتمزق المجتمع وإنهارت الدولة وتحطمت، فلا دولة إلا والخراب والدمار قائدها ورائدها وقدوتها، والتصارع السلطوي إتخذ موضوعات ومسميات مقرونة بالدين، الذي يمكنه أن يهدم أسس الوجود الإنساني في أرجاء البلدان التي كانت تسمى عربية!!
ولا يزال الصراع قائما ما بين الدولة والسلطة، حتى ما عادت هناك سلطات ولا دول، والأمثلة واضحة في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومَن سيأتي بعدها. والعلة الجوهرية تكمن في العقلية السائدة وآليات سلوكها الخالية من الشعور بالمسؤولية والنظرة العميقة الشاملة لحالة الحياة، فمعظم العقليات الفاعلة في المجتمع تنطلق من زوايا ضيقة خانقة ومن خنادق ظلماء عفنة المحتوى.
ولهذا فهي تعبر عن المطمور فيها، وتترجم النوازع السلبية الدونية التطلعات والمجردة من الرؤية العقلية الواعية المستشرفة، لأنها مقيّدة بالأنانية والاندحارية والاختناقية، وفقدان قدرات التفاعل الإنساني الأصيل مع ذاتها ومحيطها، فتصل بحالها وأحوال مجتمعها إلى مواطن الحضيض.
ولا يمكن لمجتمع عاجز عن توطيد العلاقة ما بين الدولة والسلطة، أن ينعم بحياة ذات قيمة معاصرة لو امتلك ثروات الدنيا، وأغرقته عائدات النفط، لأن العلة في العقل والنفس، وهذه لا تُداوى بالأموال، ولا تصلحها الثروات، وإنما الثورات العقلية المعرفية الثقافية القادرة على منحها رؤية أخرى ذات آفاق إنسانية مطلقة.
فهل ستتحقق في مجتمعاتنا تبدلات ذات روح شبابية لتعيد للأمة سواء سبيلها، وتمنع عنها أهوال العاديات، وتحررها من براثن الانحرافات والخيبات؟!!
واقرأ أيضاً:
حرير وخرير!! / التعايش والانتعاش!! / الضمير الوطني الموؤود!! / الشعوب تصنع سعادتها أو تعاستها!!