صار من الصعب أن نقول "أيامكم سعيدة" بكل ما تعنيه الكلمة وتدفع إليه من المشاعر والتطلعات, وما يرافقها من الفرح والبهجة ورقيق الأمنيات. من الصعب حقا على الإنسان أن ينطق كلمات التهاني بمناسبة العي، وفي أعماقه سؤال صريح "أين العيد؟".
قد يرسل الأخوة والأحبة والأصدقاء بطاقات تهاني, لكنها مع كل عام تنكمش ويقل عددها, ومعاني كلماتها تتغير وتكتسب مفردات ذات معاني كامنة لا تعبر عن السعادة, وإن أرادتها فأنها تحسب القول مخادعة للذات والواقع المرير الذي يعيشه العرب جميعا وبلا استثناء.
فالعربي ما عاد قادرا على أن يقول "أيامكم سعيدة" بملئ قلبه وببهجة وسرور, لأن الأيام سرقت منه الفرح الحقيقي, وأخذت بهجته وسروره ووشحته بأسباب الأتراح وقضت على دواعي الأفراح. فحتى الذي ينهب ويسلب ويغتنم الثروات لا يمكنه أن يشعر بسعادة سرقاته وما يملكه من الأموال, والناس من حوله في أشد حالات المقاساة والآلام. فالعيد الأصيل قد ضاع وغاب في دياجير الويلات والتداعيات وتفاعلات الخسران والبهتان.
العيد الذي كنا فيه نتغرغر بضحكاته ونفرح بأيامه ونستبشر ونبتهج ونعبر عن أعذب مشاعرنا وأحاسيسنا، ونستحضر أجمل كلماتنا وقدراتنا الطيبة لكي نمنح بعضنا السرور والسعادة والأمل، ذلك العيد صار نسيا منسيا. والعيد الذي يتكرر عندنا يمضي معظم الناس أيامه الأولى في مجالسة المقابر وذرف دموع الأحزان وارتداء السواد, فأول أيامه أحزان وذرف دموع على الذين سرقتهم أباليس الغياب وقتلتهم عفاريت الكراسي والضلال والبهتان.
قد لا يرى ذلك البعض, لكن واقع المجتمع يؤكد بأن الإنسان لا يمكنه أن يفرح والآخرون من أبناء بلده حوله في وحشة الأحزان ومواجع الحسرات والفقدان. ولهذا فأن العيد السعيد إنتقل إلى رحمة الله, وساهم في قتله العديد من أعداء المحبة والأخوة والألفة والرحمة, والتفاعل الإنساني الطيب المتسامح الودود, الذي يرفع رايات الأحسن والأفضل والأصلح والأرحم للناس كافة.
هؤلاء الأعداء تعددت تسمياتهم وآثامهم وهم يدّعون الدين, وما بأفعالهم بمعبرين عن أبسط معاني الدين, وإنما ما يقومون به يؤكد بأنهم من ألد أعداء الدين وأشرس الفاتكين به, والملوثين لسمعته وقيمه ومعايره الرحيمة النبيلة السامية. فقد انتشر التعبير عن الجهل بالدين وما ظهر فعل الدين الحقيقي في المجتمع, وإنما تحول الدين إلى مطية لتحقيق الغايات والتطلعات الدونية للذين يرون أن دينهم هواهم لا غير, لكنهم يريدون أن يخدعوا الناس والسماء وما يخدعون إلا أنفسهم وهم في ضلالهم وأفكهم يعمهون.
هؤلاء سرقوا العيد منا, وذبحوه على صخرة أميتهم وجهلهم بالله ورسوله وكتابه وباتباعهم لكل مدّعٍ أثيم.
العيد يبكي علينا, ولن يتحقق الفرح في القلوب, وأخوتنا يئنون من الحزن ولا زالت جراحهم تنزغ وأرواحهم تذرف وأحبتهم قد سكنوا التراب بلا ذنب, إلا إنها جرائم أباليس الشرور على تراب البلد الطهور, بلد الحضارات والتفاعلات الإنسانية الرحيمة الصادقة الخالية من القصور.
ولعنة الله على الذين سرقوا أعيادنا وقتلوا أفراحنا, وفتكوا ببهجتنا ومسرّاتنا وأجهزوا على أمانينا وتطلعاتنا, وأحرقوا أحلامنا وصلبوا أيامنا. فقد كان عندنا عيد سعيد, لكن حوت المآسي والويلات ابتلعه, ولازال لا يمنحنا فرصة أن يكون عندنا عيد.
نعم كان عندنا عيد, لكن تماسيح الكراسي إفترسته, وذئاب الأحزاب المتحزبة والفئات المتطرفة مزقته وأغرقته بالدماء, ولا تزال تكشر عن أنيابها للفتك بأي بهجة وفرح وسعادة عربية صادقة.
تلك حقيقة قاسية جارحة مؤلمة, لا بد لنا أن نقف أمامها بقوة وشجاعة وصبر وإيمان وأمل, بتأكيد قيمنا وإعلاء شأنها والتحرر من عوامل تشويهها وتفتيتها, وأن نعتصم برايتنا الإنسانية الجامعة ونجعلها راية خفاقة فوق الرايات, فذلك هو عيدنا الحقيقي السعيد.
وبالمحبة والأخوة والرحمة نكون ونبقى ونحيا, وبغيرها لا تحصد إلا أسوأ مما حصدنا. فهل سنصنع عيدا سعيدا بهيجا يكللنا بالمسرات والحبور؟!!
واقرأ أيضاً:
عيدٌ؟!على من عائدٌ يا عيدُ؟ / السلطة والدولة!! / الشعوب تصنع سعادتها أو تعاستها!! / الضرورات لا تبيح المحظورات؟!!