"فإنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت... أللهم فاشهد".
"كان قرآنا يمشي على الأرض" بمعنى "كان خُلقه القرآن"، أي أن القرآن هو القائد والتعبير عنه بالسلوك والعمل هو الرائد.
في العديد من محاوراتي مع المفكرين العرب، أستخلص أن جوهر رؤيتهم لأسباب التداعيات التي تمر بها الأمة يكمن في جهل الدين، وسيادة الأمية القرآنية، حتى أصبح الدين بجوهره ومعانيه وحقائقه مركونا على الرف، وما بقيت منه إلا الخطب التي يؤلفها المدّعين به لتحقيق أغراضهم السياسية والرغبوية.
فالمجتمع الإسلامي تضعف فيه اللغة العربية وخصوصا في المجتمعات العربية، وصار المسلم العربي يقرأ القرآن وكأنه يقرأ كتابا بالهندية أو الفارسية، يستطيع أن يردد كلماته ولا يفقه معانيها ودلالاتها، وهذا يذكرني ذات يوم، كنت أتصفح جريدة مكتوبة بالفارسية، وأقرأ بعضها بصوت مسموع فاقترب مني أحد الأخوة الإيرانيين وحسبني أفهم الفارسية. فالمجتمعات التي تجهل قائدها تنقاد للآخرين الذين يأخذونها وفقا لمشيئتهم وغايتهم، التي يستخدمون الدين لتمريرها وتحقيقها.
وما أصاب المسلمين على مر العصور أنهم صاروا في وادٍ والقرآن في وادٍ آخر، وما عادوا يفقهون منه سوى قراءاته والأصوات الشجية التي ترتله وحسب، وتحوّلوا إلى تابعين للذين يحسبونهم فقهاء وعلماء وحاملين لرايات الدين.
أي أن الإسلام الذي يمثله القرآن أصبح حالة، وما يتحقق في عالم المسلمين حالة أخرى مغايرة، تم تصنيعها وفقا لرؤى وتصورات العديد من الأشخاص الذين اكتسبوا قدرات التأثير بالناس، وأخذهم إلى حيث يؤوّلون ويتصورون ويُنظّرون ويفسّرون ويعتقدون بأنهم يفهمون وفقا لمناظير أهوائهم.
فانطلقت المدارس والمذاهب والفرق والجماعات وغيرها من الفئات، حتى صار الدين الإسلامي بمكوناته الفُرَقية عبارة عن موجوات عشوائية تتخبط في وعاء الزمن المعاصر، بلا بوصلة وقيادة، وإنما وفقا لنوازع ورؤى ما أنزل الله بها من سلطان. وصار من السهل أن تضع عمامة وتطلق لحية وتبدأ الكلام بالدين فيتبعك الذين لا دراية عندهم بدين.
أي أن القرآن القائد غائب، والسائد هو الشخص القائد، بما كتبه وصنفه وتصوره وحققه وأثر به على أتباعه ومعاصريه، ومَن جاء من بعده واحتكم لرأيه وحمل دعوته ومدرسته، وتبنى طريقته وتفسيره لما يقرأه من الآيات، فيُسخرها لقيادة الآخرين، الذين توفّرت لديهم الظروف والاستعدادات لتحقيق التبعية والانغماس في موضوعات الدين، بعد أن أصبحوا أمام حياة مغلقة الأبواب معدومة الأمل.
إن الخروج من هذا المأزق الحضاري يتطلب جهودا ثقافية واقتصادية، لدمج المجتمع العربي خصوصا، بالعصر الذي نعيشه، وتوفير أسباب ووسائل التعبير عن الطاقات الشبابية بقنوات إيجابية، ذات قدرات متنامية وفعالة لتحقيق التعبير الأمثل عن التطلعات الذاتية والتفاعلات الحضارية المتواكبة مع عصرها.
ومن الضروري الاهتمام باللغة العربية وتنمية المعجمية اللغوية للإنسان في المجتمع، لكي تتوفر له الأدوات الكفيلة بالفهم والإدراك والتفكير السليم والتعبير الصحيح، ومعرفة معاني الكلمات القرآنية ودلالات الآيات، فيكون محصّنا منيعا على الذين يستدرجونه إلى مهاوي الويلات والتداعيات باسم الدين.
فعندما تضعف اللغة العربية يضعف الدين الإسلامي، ولا يمكن فصل الإسلام عن اللغة العربية، لأنها لغة قرآنه ونبيه الكريم.
واقرأ أيضاً:
جيناتنا الحضارية!! / جلودنا في اللعبة!! / نكتة التنمية!! / الشعب سندان والكرسي مطرقة!!