الفج: الطريق الواسع بين جبلين.
الحج من الفرائض الإسلامية التي يؤديها مَن استطاع إليها سبيلا، وسلوك الحج معروف قبل الإسلام، أي منذ إقامة البيت العتيد. ومع توالي الأعوام والعقود صار الحجيج يعدون بالملايين، وهذا يستدعي خدمات واحتراسات وجهود كبيرة على مدى الساعات وطيلة أيام الحج.
والحجيج من جميع أنحاء الدنيا، إذ يجتمع في الديار المقدسة كل مسلم استطاع القيام بهذه الفريضة بشعائرها ومفردات طقوسها، وهذا يعني أن الملايين قد تؤدي ذات الشعيرة في وقت واحد، مما يتسبب في تعرض الناس لمخاطر الزحمة والانحشار في مواقف مميتة.
والزحمة من السلوكيات الخطيرة في عالم المخلوقات كافة، أما بخصوص البشر فأنها تعني قوة متراكمة متزايدة تتسلط على بعضه البعض مما تؤدي لقتله، فسقوط الناس تحت أمواج بشرية متحركة يعني أن الموت حتمي، لعدم القدرة على توقف السيل الجارف، فالبشر بملايينه عندما يتحرك يتحول إلى تيار متوثب، وأي إعثار أو مصد يتسبب بتصادمه وسقوط المئات، بل الألوف منه قتلى تحت هول التيار المتصاخب.
وما حصل للحجيج من نتائج مأساوية هذا العام، كما أنها قد تكررت في أعوام سابقات، يتطلب إعادة النظر بآليات الحفاظ على سلامة الحجيج للوصول إلى الحج الآمن السليم، الخالي من الويلات والتداعيات الحزينة.
ومن المعقول النظر في دعوة الحكومات الإسلامية للمشاركة في تأمين متطلبات الحجيج، وفقا لنسب الحجاج من كل دولة، أي أن المساهمة من الأفضل أن تكون تضامنية ما بين الدول الإسلامية، وأن تكون هناك فرق مدربة في مجاميع الحجيج من بلدانهم تشارك في قيادتهم وتأمين سلامة تأديتهم لمناسك الحج، ذلك أن اللغة لها دور مهم وكذلك الثقافات التي تتنوع ما بين الحجاج. ولا يعني هذا استهانة بالجهود التي تقوم بها السعودية، وإنما تعزيزا لدورها وقدرتها على الحفاظ على سلامة الحجيج.
فما دام الحجاج يأتون من كل فجٍ عميق، فأن من الواجب أن يكون هناك مجلس إسلامي معاصر يساهم في وضع الخطط الكفيلة بسلامتهم وبقيادة الدولة المضيّفة، لكي تتوزع المسؤولية.
ذلك أن الدنيا تتطور والبشر يزداد عددا، ومتطلباته بثقافاته المتنوعة تملي على المسؤولين الاقتراب بأسلوب آخر، يحقق الألفة والمحبة والأخوة الإسلامية، بدلا من مناهج الاحتكار والتفرد بالمسؤولية، واعتبارها ركنا من أركان السيادة. فالحج لا علاقة له بسيادة دولة، إنه فريضة على كافة المسلمين، ومن حق دولهم أن تساهم في توفير الرعاية والحماية لهم وبتنسيق مع الدولة التي تقام فيها طقوس الحج، ويمكن اعتبار ها فرصة لتجسيد سلوك الوحدة الإسلامية.
إن تكرار هذه المآسي يترتب عليه تفاعلات سلبية تضر بوحدة المسلمين، وتمنح الإسلام مزيدا من التوصيفات التي لا تمت بصلة إليه.
فهل من رؤية جديد وعقل إسلامي إيجابي التطلعات والرؤى والتصورات، لكي يسعد كل حاج بما أدّاه وتكلفه وتعبد في دياره؟!!
واقرأ أيضاً:
نكتة التنمية!! / القرآن قائد الدين!! / الشعب سندان والكرسي مطرقة!! / عمى الأنهار أم الأبصار؟!