حدثتني زميلتي عن مريضةٍ دخلت عيادتها تحمل ديدانا في كيس, كانت قد أخرجتها من ثقب ناضح في فخذها الأيسر, وتقوم بإخراج الديدان بالضغط على جوانب ذلك الثقب الغائر في بدنها.
قالت, تعجبت من الأمر, فلم أشاهد حالة كهذه في حياتي, فتحدثنا عن الأمراض التي تستوطن أفريقيا وبعض مناطق الأرض وتنتقل بواسطة لسعة الحشرات كالبعوض والذباب.
وهذا المرض مرعب, ويسمى بعمى الأنهار, وهو معروف في أفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى وبعض مناطق أمريكا الشمالية, ويوجد في اليمن أيضا. ويسمى بالعربية, داء كلابية الذنب Onchocerciasis (أونكوسيرسياسس) ويعدّ من الأسباب المهمة للعمى. وينجم هذا المرض عن الإصابة بكلابية الذنب المقلوبة, وهي دودة إسطوانية يمكنها العيش خمسة عشر عاما في بدن الإنسان, وحيوانات أخرى كالقطط والكلاب.
وينتقل المرض عن طريق لسعة الذبابة السوداء, فاليرقات التي تحقنها هذه الذبابة يصعب الخلاص منها, فالأم التي تلدها تبقى في حالة إنتاج وفير ومتواصل, فتلقي ملايين البيوض في البدن المصاب وتحشوه بالديدان التي تنال معظم أعضائه, وخصوصا العيون, فتتسبب في إتلاف الشبكية والعصب البصري ومن ثم العمى.
وعندما تموت اليرقات أو الديدان تتسبب في حكة واستجابات مناعية قوية تتلف الأنسجة الحيوية كالعين. وتوجد نسبة 99% من المرض في أفريقيا, و 18 مليون مصاب بالطفيلي, 270000 منهم أصيبوا بالعمى , وهو متوطن في ثلاثين بلد أفريقي, ودول أخرى.
حاشاكم الله هذه الذبابة تفعل ما تفعله بالبشر الذي يقف عاجزا أمامها, مثلما هو حاله أمام عصيات كوخ والملاريا وغيرها الكثير. فالبشر ضعيف, ومهما ادعى القوة والجبروت فأنه يموت بلسعة مخلوق حقير, لكنه كبير التأثير والأثر كالذبابة, وكما حصل للحجاج بن يوسف الثقفي الذي قتلته لسعة حشرة سوداء حسب بعض المصادر, فأنهت مرحلة التسلط والإفناء.
وبين الذبابة السوداء والكلمة السوداء علاقة كبيرة, فالكلمة السوداء خبيثة كريهة تحقن سمومها النفسية في البدن, وتنتشر فيه بوبائية عالية, تساهم في القضاء عليه. وما أكثر الذين قتلتهم الكلمة السوداء, لأنها تحمل فكرة سوداء, وتؤدي إلى سلوك أسود وتفاعلات سوء أسود.
فيتم سفك الدماء, وإزهاق الأرواح تحت تأثير وسلطة وانفعالية الكلمة السوداء, وما ينجم عنها من الأفكار والأفعال والتداعيات المريرة.
وقد نمتلك علاجات ذات تأثير محدود للسعة الذبابة السوداء, لكن طعنة الكلمة السوداء قد يستحيل علاجها, لأنها تُزمن وتتوارثها الأجيال, وتتحول إلى مصيبة اجتماعية ووطنية وحضارية وتأريخية. فكم من كلمة سوداء في فضاء وجودنا القاسي!!
وكم ذبابة سوداء لا تتعب من لسع أبداننا وتدمير عقولنا وإعماء عيوننا, فلا نرى ما حولنا. فالكلمة السوداء تعمي البصيرة, مثلما الذبابة السوداء تصيب ضحيتها بعمى الأنهار. فهل من كلمة طيبة تصلح نفوسنا وتبَصّرُنا؟!
فالكلمة الطيبة صدقة, يرحمكم الله!!
واقرأ أيضاً:
القرآن قائد الدين!! / الشعب سندان والكرسي مطرقة!! / الحج والفَج!! / التأويل والتعويل!!