تفاعل القدرات البشرية بطريقة إيجابية يؤدي إلى نتائج ذات قيمة مؤثرة في الحياة، وساعية لتأكيد الدور الحي للأفكار المسبوكة بقدرات العقول. ولهذا فأن البشرية في عصرها التنويري قد أدركت حقيقة التواصل المعرفي، وإجهاد العقول من أجل الوصول إلى منطلقات تكفل وجود الأفكار الفاعلة في فكرة ذات فعالية شاملة، يمكن تسميتها بالفكرة الجوهرية.
ذلك أن الموجودات تنتمي لموجود، فحقيقة الوجود بأسره يرتكز على واحد، وهذا الواحد له قدرات التعدد المطلق، وكل متعدد في حقيقة أصله ينتمي لواحد. فنحن في حقيقة سلوكنا المتنوع نعبّر عن إرادة الواحد الذي أوجد المطلق المتعدد. وأي نظام حياتي مهما كان نوعه ومنطلقه لا يمكنه تحقيق النجاح من غير إدراك الانتماء الواحد المتعدد الفاعل فيه، أو أن يكتشف الجوهر الواحد الجامع لعناصره لكي يصنع سبيكة صيرورته الأقوى.
وهذا المفهوم ينطبق على الأنظمة السياسية والمؤسسات والقوى والأحزاب، فكل منها لا يمكنه أن يعزز قوته إذا تجاهل إرادة الواحد الكامنة فيه، وعجز عن اكتشاف طاقة التفاعل اللازم والمحكوم بالجذر الواحد والأصل الواحد. وعليه، فأن النظام السياسي في المجتمع إذ أغفل حقيقة الجامع الضامن للتطور والارتقاء والتقدم، فأنه سيؤدي إلى تداعيات خطيرة ومدمرة.
وفي بعض الأنظمة صار مناهضة هذا المفهوم أساس الحكم والعمل السياسي، بحيث يتوهم الفرد (الحزب والفئة) بأنه مقياس كل شيء، فيجعل الآخرين أو يدفعهم ويجبرهم بوسائله السلطوية إلى الإذعان لذاته وحسب، ولتأكيد سطوته عليهم. ولهذا تأسست الأنظمة الإستبدادية وأوجدت الحاكم الطاغية الذي لا يؤمن حتى بنفسه، ويريد الآخرين عبيدا في مقام حضرته.
ولكي يتحقق النجاح في الحياة وتتقدم المجتمعات لا بد لها من فهم هذه الحقيقة، التي أكدتها المسيرة الحضارية العربية عندما رفعت راية الوحدانية، وسعت للارتقاء بالوعي البشري إلى آفاق التوحيد المطلق، فتوقّدت قدرات الإنسان وأضاف للحياة الجديد والأصيل المنبثق من ثورة الوعي والعقل والروح والوجدان.
وتلك حقيقة الذات الكونية التي تشعشع بها "إلاّ"!!
واقرأ أيضاً:
القوة تُصنَع ولا تُستورد!! / مجتمعات شمعية!! / يصنعون ونستهلك؟! / أعمار الاقتدار!!