لكل قوة عُمُر يعاكسها بالمقدار ويُعاجلها بالاندثار!!
وتلك حقيقة التواجد الأرضي المحكوم بإرادة الدوران، والخاضع للتجاذب ما بين أجرامٍ وأجرام، ولن تحيد عن سلطته الحالات المتحركة للأمام، فكل موجودٍ خطّاء، وبهذا يلد ما يلغيه ويأتي بضده، ويمنعه من المكوث في أوعية السرمد.
فالدوران يعني الغثيان، وهذا يتسبب بقرارات وخطوات غير منضبطة تلد ما يقبضها ويؤالفها ويدحوها في حركة أخرى ذات حسبان، فتتنامى مفرداتها وتتخلق معادلاتها وتستضيف مساعداتها وظروفها المناسبة لتسارعها وتأججها حتى الغليان، فتفقد ما فيها وتعود إلى مبتدأ المكان، وجوهر الكيان، فتكون قد استهلكت طاقات ما فيها، وتبادلت الأدوار مع غيرها.
ووفقا لذلك فإن القِوى الأرضية لن تتواصل على حالها، وإنما ستخضع لهذا القانون الحتمي المتحكم بما فوق الأرض من صيرورات، فالكبير سيصغر والقوي سيضعف والعكس صحيح، لأن الدوران يفرض آلياته ويحقق غاياته، ولا مَحيد من قبضته وفحواه.
فكل شيئ يدور والدائر دوّار ويخور، وفي مضطرب الخوران تلتهمه أفواه تدور، لتلد منه ما يريد أن يدور، فكأننا في بودقة إعادة التصنيع الأبدي المتجدد المتقد تحت نار حامية، والمتقلب بقوة طاغية ذات عنفوان يزيد.
وحسبُ الإدراك أن يفتح بوابة وعي ترينا شيئا من أفق الوجود وباناروما النزول والصعود، وآليات اللهيب الخَمود، وما هو إلا في محطات انتظار الوعود. ففي ماضينا ركام قوى وقدرات وأشهاد غابرات، وفي حاضرنا كيانات تتنامى وأخرى تتهاوى، وقوى تريد ذروتها وغيرها تتمرغ بقاعها، وسفوح تتحرك عليها النازلات والصاعدات، فما بعد القمم إلا النزول، و"ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع".
|
ويبدو أن النصف الأول من القرن الحادي والعشرين سيشهد متغيرات متنوعة للتعبير عن هذا القانون الأزلي القابض على مصير الأرض وما عليها، ومن الواضح أن خرائط السلوك وأنظمة التسلط والاقتدار ستكتسب عناصر جديدة تتسبب بتفاعلات ونتائج تختلف تماما عما جرى في القرن العشرين، فلكل قرن ما يميزه من العناصر الداخلة في معادلات التفاعل الأرضي الصاخب.
ومن مخاطر ما سيتحقق فيه أن المنطقة العربية ستكون في أضعف أحوالها وأقسى مراحلها التأريخية، التي ستحيلها إلى وجود لا يمت بصلة إلى جوهرها وما فيها من طاقات حضارية، إذ بدأ الانقضاض عليها بشراسة غير معهودة، ونهج المحق الحضاري والهوياتي يتحرك بعنفوان عجيب، واستسلام ورضوخ غريب، وكأن الوجود العربي الحضاري والجغرافي والوطني والتأريخي والثقافي في منحدرات انتحارية، متسارعة الانزلاق إلى قيعان النسيان والغياب البعيد.
فهل سنرى أم سنستيقظ بعد فوات الأوان وموت الروح والعقل والإنسان، وحين كل تميمةٍ لا تنفع؟!
واقرأ أيضاً:
مجتمعات شمعية!! / يصنعون ونستهلك؟! / وحدة التنوع والاختلاف!! / خطباء الجمعة والإساءة للدين!!