كل موجودٍ يقبل القسمة على اثنين يمكن تقسيمه على أي رقم أكبر من اثنين، فالموجودات القوية الباقية لا تقبل القسمة إلا على واحد، ولا يمكنها أن تسمح لنفسها بالقسمة على غيره. وقد أدركت القوى التي تريد أن تفترس غيرها بأن أسهل طرق الافتراس تكون بجعل الموجود يقبل القسمة على أكبر من الرقم واحد.
وهذا يتجسد في قوانين الغاب، فلكي يتحقق الافتراس من قبل الضواري، عليها أن تجعل القطيع يتقسم، فتهاجمه بأعداد كبيرة تهدف إلى زعزعته وتقسيمه والانفراد بأحد أعضائه لتحقيق الافتراس الانفرادي المُجتَمِع، بمعنى أنها حالما تبعثر القطيع يسهل عليها الانفراد بالفريسة المناسبة فتجتمع عليها لتأكلها، وتمضي في أسلوب تقسيمها للقطيع والانفراد بما تناله من نتائج هذا التقسيم.
وقد حصل ذات الأسلوب في الدول العربية التي قبلت القسمة على عددها الكلي، وما تعلمت كيفيات عدم القبول بالقسمة إلا على واحد، فبعد تحقيق أقصى درجات التقسيم العربي، تم الانفراد بأقواها وافتراسه بمعاونة كل مقسّم متوهم بأنه سينجو من آلية الافتراس، فدارت الدائرة على الباغين عليه.
والتقسيم طاقة مثلما التوحيد طاقة، وأية طاقة عندما تنطلق تحقق إرادتها وتتفاعل مع محيطها بآليات ما فيها وقدرات ذاتها وجوهرها، فالوحدانية الإسلامية طاقة مطلقة انبثقت وتجسدت في ربوع الأمة على مدى قرون متعاقبة، وطاقة التمزق والتشظي انفلتت في ربوع الأمة منذ القرن التاسع عشر، وتواصلت لتأتي بأكلها في عصرنا المعفر بالخسران.
وأية طاقة منطلقة تدخل في متوالية هندسية من التفاعلات المترجمة لمحتواها ومنهجها، وعندما تتوفر لها المعززات والعوامل المساعدة، فأن إنتاجيتها ستكون أكبر وآليات تفاعلاتها أسرع وأشد قدرة على توليد النتائج والعناصر القادرة على إعادة التفاعل في أوعية وأوساط أخرى. ومن الصعب لجم جماح أية طاقة منفلتة في ربوع النفس البشرية، وتحديد مساراتها وتهذيبها، لأنها ذات قدرات تراكمية وانفجارية هائلة ومدمرة للوسط الذي تتفاعل فيه. ولهذا فإن الطاقة التقسيمية تكتسب تعجيلا ذاتيا وقدرات متجددة، ذات مسارات متفقة مع مبتدئها، ومتوافقة مع إيقاع إرادة انطلاقها.
فما أن يبدأ التقسيم حتى يتمادى في صيرورات انقسامية لا تهدأ، ولا تتواني في الاستعداد لمزيد من التقسيم والتقسيم، وهكذا فإن كل مُقسم يمتلك قدرات وطاقات النزوع إلى التقسيم تلو التقسم، وعليه فإن كل مُقسم في بلاد العرب أوطاني، سيتعدد ويتشطر إلى أقصى ما يمكن للانقسام أن يكون، ما دامت طاقاته متراكمة ومنحبسة ومؤهلة لانفجارات متوالية ومتنامية.
فالنفس منقسمة والروح والعقل والأرض والمعتقد، وكل ما يمت بصلة إلى الهوية الوحدوية لأمة فيها جواهر مؤهلات الاقتدار، التي تسخرها لتحقيق أقصى حالات الانهيار والاندثار، فدام التقسيم بخير!!
واقرأ أيضاً:
التكريس السلبي!! / التراكمية الغائبة والتبعثر المستقيد!! / الجمال والاقتراب الأفلاطوني!! / وحدة المعنى الإنساني!!