الأقصدة جوهر السلوك المتحقق في طبقات الأكوان، ولولاها لما تمكنت عجلة الدوران من التسرمد والدوام المطلق، وهي من الاقتصاد وتعني تدبّر الأمور بربحية ذات قيمة تنموية وتطورية أو اتساعية، فالكون لا يتسع لولا سلوك الأقصدة الحكيم المُتحكم ببقائه وتنامية.
وكل فكرة خالية من المفاهيم الاقتصادية مصيرها الفشل والخسران والسقوط في حفر النسيان، والتي تبقى أو بقيت منها، هي التي أدركت جوهر سلوك الأقصدة، وتدبرت مواطن التنمية والتفاعلات المعطاءة المدرارة المُحفزة المعززة للانتماء إليها، فلا يمكن لمخلوق أن يلتزم بما يضره ولا يعزز ما فيه من إرادة فعل، وشعور بالقوة والثبات والقيمة والقدرة على التواصل والتأثير.
وبغياب مفاهيم ومعايير الأقصدة من آليات التفكير في المجتمعات المتأخرة، فأنها تستنقع في متاهات الخسران رغم ما عندها من الثروات الطائلة، لأن الثروات بلا أقصدة تتحول إلى هباء منثور، وإلى ضرر ووبال، فالنعمة تتحول إلى نقمة إذا انسلخت عن مفاهيم الأقصدة.
وفي مجتمعاتنا ينتفي العقل المتأقصد، ولا تجد له دور في الحياة، ولا تأثير في صياغة أمر أو قرار، وإنما تتدحرج الأمور وفقا لهواها، وما تقرره الرياح الهابة من أي حدب وصوب. فالأحزاب السياسية برمتها فاشلة لأنها لا تفهم بالاقتصاد، وحتى الأحزاب الشيوعية العربية فشلت فشلا ذريعا لجهلها بآليات تفكير الأقصدة، بينما الحزب الشيوعي في جوهر مبادئه ثورة اقتصادية بحتة، فتحول في مجتمعاتنا إلى نزق سياسي، وقدّم نفسه بصياغات مشوهة ومنحرفة.
ولا يختلف عنه أي حزب مهما كان وخصوصا الأحزاب الإسلاموية، التي تمكنت من السلطة بلا خبرات ولا مفاهيم أقصدة، وإنما انغمست في منحسرات ذات مخاطر أهاجت الذين معها عليها، وما أدركت ضرورات تفاعلات الأقصدة السلوكية، اللازمة لتحفيز البشر على التعامل الإيجابي، وتأكيد الإنتاجية العالية المنعشة للآمل والطموحات والتطلعات المعاصرة المتطورة.
وقد إتضح ذلك بالدول التي تسلطت فيها أحزابها الدينية، المجردة من رؤية الأقصدة، مما حولها إلى معصدة دمّرت الموجودات التي فيها وحولها، وحوّلت الواقع الذي تورطت فيه إلى مفسدة ومعضلة، فتكالبت على ربوعها الكواسر والوحوش، وأوردتها الشرور والنوازل التداعيات المريرة الخطيرة، وأفرغت خزائنها من الثروات، وحوّلتها إلى موجودات متسولة تابعة لإرادة الآخرين ومصالحهم، ومرهونة المصير بقراراتهم وتصوراتهم.
ولن يتحقق تقدم وسلام واستقرار في هذه المجتمعات المنعصدة بالجهل والتجاهل، والغلو والفساد والسفه والحمق والنوازع السيئة، إلا بوعيها لمناهج الأقصدة وإدراكها بأن الأقصدة أولا وأولا، وكل شيء يكون بعدها، فهل وجدتم معتقدا بلا أقصدة ونظاما سياسيا ناجحا مجرد منها؟!!
واقرأ أيضاً:
محمّد!! / مناهج الأسلمة ونوازع الأثلمة!! / أوطان الساقط في الحُفرةِ يَحْفر!!