من العجائب التي يصعب فهمها وتفسيرها، أن كراسي الحكم العربية تجيد صناعة الأعداء، وتوريط نفسها في مختنقات ومنزلقات تفضي إلى تداعيات مأساوية قاسية. فمنذ تأسيس الدول العربية في القرن العشرين، والكراسي منهمكة بالاستعداء، وما تعلمت مهارات صناعة الأصدقاء، ولهذا فإنها في عداوات متواصلة ومتنامية مع بعضها البعض ومع جيرانها، بل ونفسها وشعبها.
ولا يوجد كرسي حكم أيا كان نوعه - إلا فيما ندر - يتحلى بالحكمة والحنكة والحُلم وبُعد النظر، وإنما هي العنتريات والقبليات وروح الجاهلية الأولى، لا غير، فالعرب في وضع مأزوم يحتاجون فيه لقيادات مُبصرة تطفئ النيران، وتنقي القلوب، وتعيد اللحمة العربية، وتساهم بسبك الوجود العربي في بودقة حضارية معاصرة، لها مردوداتها الإيجابية الصائبة.
لا لمَن يؤجج الواقع، ويُشعل نيران التعادي والكراهية وتعميق الشروخ والخنادق، بين أبناء الأمة الواحدة والدين الواحد، فليس من الحكمة في هذا الظرف أن تصبّ بعض الكراسي الزيت على النيران، لغياب التقدير الموضوعي والعقل السياسي القيادي الراجح، أو لغاية خفية مرسومة.
فما قيمة الإقدام على اتخاذ قرار تداعياته السلبية عاصفة، وفتاكة ومروعة ومؤججة لنيران الويلات والصراعات، بينما أفضل وأسهل وأكثر ربحية أن لا يُتخذ القرار، ويتم التفاعل مع الموقف والبناء عليه بروح إيجابية ذات مردودات طيبة، تؤلّف ما بين القلوب، وتساهم بإيقاد شموع المحبة والأخوة الإسلامية الإنسانية.
إنها لعجيبة خارجة عن مدارات العصر، ولا مكان لها في فضاءات العقول البشرية، وكأنها حالة وهمية تصورية منغرسة في دياجير اللاوعي، ومنكبسة في أودية النفوس الأمّارة بما لا يخطر على بال العقلاء المتفاعلين مع مفردات الزمان والمكان، والمستوعبين لمعادلات الصيرورات بأحداثها المتواصلة المتصاخبة.
وجوهر العجائب العربية انتفاء قيمة الإنسان والأوطان، وتسيّد فئة أو عائلة أو حزب على المقدرات والثروات، واحتكارها لتقرير مصير البشر المرهون بإرادتها، فويل لمن لا يطيع ويتبع ويقبع، فقد تم تسخير كل ما يمكن تفعيله لتأمين الخنوع للكرسي المطلق، ويمكنك أن تكون في خبر كانَ لو نطقت بما يعارض رغباته، ومرتكزات هيمنته وتأسّده في جميع الأركان.
وإيّاك أن تعترض أو تكون صاحب رأي، فالنطع من حولك، والسيّاف بجنبك ينتظر إشارته، فالسيف سبّاق العَذل، في مجتمعاتٍ خير ما فيها اشتعلْ!!
فهل بدأت شرارة حرب جديدة؟!!
واقرأ أيضاً:
الأقصدة والمَعصدة!! / أوطان الساقط في الحُفرةِ يَحْفر!! / عام ُانطلاقٍ وانعتاقٍ!! / الرؤية والتبعية!!