يوجد نوعان من النسيج الدهني Adipose Tissue في جسم الإنسان أحدهما هو النسيج الدهني الأبيضُ المعروف، والآخر هو النسيج الدهني البني (Brown Adipose Tissue BAT)، والذي يتميزُ بقدرته على إنتاج الحرارة بشكلٍ يمنعُ اختزان الطاقة الزائدة على شكل دهون (Viguerie-Bascands et al.,1996)، ويكتسب هذا الدهن لونه بفعل عدة عوامل منها مادة الهايم الموجودة فيه بكثرة، وزيادة تركيز أنزيمات السيتوكروم في الميتوكوندريا وغزارة الأوعية الدموية التي تغذيه بمادة الهيموجلوبين (التي تتحد مع الأكسجين بسرعة).
ويُعتبر النسيج الدهني البني من أكثر أنسجة الجسد قدرة على استخدام الأكسجين الذي يصل إليه بسبب غزارة الأوعية الدموية التي تغذيه، مما يجعله مؤهلاً لحرق الدهون باستمرار، وأحد أهم شروط استخدام الخلايا للدهن كمصدر للطاقة هو إمدادها بكميات كبيرة من الدم الذي يحمل الأكسجين وخاصة تلك الخلايا التي لا تستطيع استخدام الدهن أو أي مادة أخرى إلا إذا توفّرت لها كمية كافية من الأكسجين، ويحتوي النسيج الدهني البني على أعصاب الجهاز السمبثاوي المسؤول عن إنتاج هرمونات الكاتيكولامين (الأدرينالين والنورأدرينالين) التي تعتبر من أنشط هرمونات الجسد في حرق الطاقة وفي حفز الجسد على إنتاج الحرارة، وتعمل الروابط الداخلية بين خلايا النسيج الدهني على تحقيق الاتصال المباشر بين الخلايا مما يؤدي إلى نشاطها المتزامن، وصرف طاقة أكبر وبفاعلية أفضل عند القيام بعملية إنتاج الحرارة (أحمد شيشاني،2000).
ومقارنة تركيب خلايا النسيج الدهني البني بتركيب خلايا النسيج الدهني الأبيض (العادي)، تبينُ أن محتوى الدهون على شكل جليسيريدات ثلاثية يبلغ نسبة 30% إلى 70% في الدهن البني مقارنة مع 60% إلى 90% في الخلية الدهنية البيضاء، ونسبة الماء فيه هي 20% إلى 50% مقارنة بنسبة15% إلى 30% في الخلايا البيضاء، أما الجزء الخالي من الدهون والماء فيشكل في الخلية البنية6 % إلى 16% من حجم الخلية مقارنة بنسبة 1% إلى 12% في الخلية البيضاء، كما تحتوي الخلية الدهنية البنية على سيتوبلازم أكثر وتكون أحجام الميتوكوندريا فيها أضخم وأكثر عددا مقارنة بالخلية البيضاء، ورغم الاختلافات الموجودة بينهما، إلا أن الخلية البنية تستطيع أداء كل الوظائف التي تقوم بها الخلية البيضاء ولكن بفاعلية أكبر، إذ تستطيع خزن الدهون واستخدامها كمصدر للطاقة بمقدار يزيد عدة أضعاف عن خلايا النسيج الدهني الأبيض بل وسائر خلايا الجسد.
ويظهر النسيج الدهني البنيُّ بشكل واضح عند الأطفال حديثي الولادة، وهو الذي يتولى مهمة الحفاظ على درجة حرارة جسد الوليد الجديد ضمن حدودها الطبيعية، وحيث إن ميكانيكية الارتعاش (الرجفة) لا تكون قد تأسست بعد عند الوليد الجديد، وهي ردة فعل طبيعية يقوم بها الجسد للحفاظ على حرارته، يقوم النسيج الدهني البني بمهمة إنتاج الحرارة عوضا عن آلية الارتعاش المعدومة عند الطفل، ويظهر النسيج البني حول الأعضاء الحيوية الداخلية كالقلب والرئتين وفي منطقة العنق وتحت الإبطين ومنطقة عظم اللوح في الظهر إضافة لمنطقة البطن، ويبدأ النسيج البني بالتلاشي تدريجيا من السنوات الأولى للطفل، ليختفي تماما عند مرحلة البلوغ، إلا أن هناك أدلة حديثة تؤكد بأن الدهن البني لا يتلاشى كليا بعد البلوغ بل يظل نشطا حتى بداية الثلاثينات من العمر حيث يحدث له اختفاء وتلاشي سريع ولكن ليس إلى درجة اختفائه كليًّا من الجسد (أحمد شيشاني،2000) أ.
وقد أُجريت أبحاث على جسم رجل ميت عمره 80 عاما تبيّن فيها أن جسده يحتوي على كميات من النسيج الدهني البني، ومثل هذه المعلومات يجب أن تُعتبر بشرى سارة لمرضى البدانة حيث إن النسيج الدهني البني إذا تم تنشيطه يستطيع المساهمة في منع خزن السعرات الحرارية في الجسد على شكل دهون؛ حيث إن مهمته الأساسية إنتاج الحرارة وطردها إلى خارج الجسد من خلال عملية إفراز العرق، كما تتميّز خلايا النسيج الدهني البني بأنها الوحيدة التي لا تستطيع طرح الأحماض الدهنية الحرة التي تنتج عن تحليل الدهون من داخل الخلية إلى مجرى الدم ومنه إلى خلايا الجسد الأخرى، وإن مخزون الخلية الدهنية البنية من الدهون هو فقط لاستخدامها الخاص؛ لأنها مستهلكة شرهة لها وذلك لضمان تأدية وظيفة إنتاج الحرارة داخل الجسد إذا تعرضت حرارة الجسد الطبيعية الداخلية للخطر بخاصة في الأجواء الباردة.
وأما ما يجعلُ الأمرَ مرتبطًا بالبدانة فهو احتمالية وجود اختلافٍ بين الشخص البدين وصاحب الوزن العادي في نشاط هذا النسيج البني وهناكَ محاولات لاستغلال هذا الفهم في مكافحة البدانة من خلال تنشيط النسيج الدهني البني.
وتؤكد المعلومات الحديثة تمتع النسيج الدهني في الحيوان البالغ باللدونة Plasticity وهو ما يجعل التدخل العلاجي بمحاولة استخدام عقاقير تعدل تلك اللدونة أو تنشطها بحيث يصبح استبدال النسيج الدهني الأبيض بالبني ممكنا، وهناك خط من الأبحاث يسير في هذا الاتجاه، ودراسات على الحيوانات حققت بعض التقدم في هذا السبيل (Tiraby & Langin, 2003)، إلا أن كل ذلك ما يزال بعيدا عن التفعيل على المستوى البشري لمجابهة مشكلة البدانة.
المصادر:
1) Viguerie-Bascands, N., A. Bousquet-Melou, J. Galitzky, D. Larrouy, D. et al., (1996): Evidence for numerous brown adipocytes lacking functional beta 3-adrenoceptors in fat pads from nonhuman primates. J. Clin.Endocrinol. Metab. 81: 368–375, 1996.
2) Tiraby C, Langin D. (2003): Conversion from white to brown adipocytes: a strategy for the control of fat mass? Trends Endocrinol Metab 2003; 14: 439–441.
3) أحمد شيشاني (2000): دور الجهاز العصبي في تنظيم الوزن، عن: http://www.albawaba.com/health/personal.php3?sid=95325
4) أحمد شيشاني (2000) أ: النسيج الدهني البني، عن: http://www.albawaba.com/health/personal.php3?sid=96449&lang=a
واقرأ أيضاً:
اضطراب القهم العصبي Anorexia Nervosa / اضطراب العقعقة من أين جاء الاسم؟ مشاركة / اضطرابُ القشم القهري Compulsive Overeating / اضطراب نوبات الدقر (Binge Eating Disorder)