المفكرون والعارفون بالدين والمثقفون يتناولون الأشخاص ويهاجمونهم ويوعزون سبب التداعيات إليهم، لأنهم اجتهدوا في موضوعات دينية وفكرية تسببت بتحشدات عنيفة أضرت بالمجتمع والدين، ويغيب عنهم جوهر المعضلة التي تواجهها الأمة، والتي تتلخص بضعف اللغة وسيادة الأمية والميل الكبير للتبعية.
فضعف اللغة العربية تسبب في تحقيق الأمية القرآنية، التي أدت بدورها إلى تعزيز نوازع التبعية والتفاعل مع الذي يفكر ويجتهد، ويتصور وفقا لتجربته وما عنده من قدرات معرفية، حتى يتم تقديس الشخص وتبعيته بعميائية وانتمائية حمقاء مجردة من أبسط مفردات ثقافته ووعيه للحالة.
ففي مجتمعات الدنيا كافة يظهر مفكرون ومجتهدون وناقدون، ومَن يرون أنهم قد اكتشفوا شيئا ما في هذا النص أو ذاك من النصوص الدينية، بل أن محطات التلفزة تعج بالدعاة والمفكريين لجميع الأديان، لكن هؤلاء لا يُتبعون إلا بتبصر وتفاعل معرفي وثقافي يوصلهم إلى قناعة ما، وخصوصا في هذا الزمن المعلوماتي المعرفاني الفياض بالمستجدات والتبدلات والابتكارات، التي نقلت البشرية إلى مراحل أخرى من مستويات الحياة.
وفي مجتمعاتنا تتحقق التبعية العمياء والحمقاء، ذلك أن الأمية الطاغية وجهل لغة الضاد وإهمالها، قد أسهما في إضعاف النفوس وتنضيب العقول، وتجفيف الروح وحرمانها من عناصر الصيرورة الحضارية المعاصرة، مما أسقط البشر في حفر ظلماء، وسجنهم في مستنقعات تزداد عفونة وأمراضا أصبحت مزمنة وبعضها سرطانية الطباع والسلوك.
ولهذا فإن المفكرين والمثقفين والعارفين بالدين عليهم أن يتوجهوا نحو المجتمع لا نحو الشخص الذي اجتهد وفكر، عليهم أن ينقلوا المجتمع من قيعان الأمية إلى آفاق المعرفة والحرية، ويتفاعلوا معه بلغة عربية فصيحة، ويجتهدوا في تنمية المعجمية العربية عند الإنسان لكي يدرك ما يسمع ويقرأ، ويؤمن بنفسه وقدرته على النظر والرأي، وبهذا تقل نوازع التبعية وتضمحل الظواهر المدمرة للحياة والدين.
إن التركيز على الأشخاص يزيد من أهميتهم ويُحشّد المزيد من الأميين حولهم، وهذا ما يقوم به رموز الأمة الثقافية، إذ ترقب حلقات متواصلة في التلفاز تتحدث عن شخص وتنال منه وتغفل جوهر العلة، التي هي ليست في الشخص وإنما في المجتمع الذي يمتلك الآلية العالية للتبعية.
فالأمية وضعف اللغة يجعلان البشر مثل الإسفنج يمتص كل شيء، أو مثل القشة تتناهبها الرياح أنى تشاء، بينما المعرفة وقوة اللغة تصنعان بشرا صلدا لا تتسرب إليه الأشياء وإنما تصطدم به وترتد، ولا يأخذ منها إلا ما يتفق وما فيه من معارف وآليات اجتهاد وتصور ورأي.
فالبشر صاحب الرأي لا يتبع، والذي بلا رأي تستعبده التبعية وتصادر إرادته ومصيره. فهل سنساهم في صناعة مجتمعٍ ذي رأي أم يتبع ويقبع؟!!
واقرأ أيضاً:
أوطان الساقط في الحُفرةِ يَحْفر!! / عام ُانطلاقٍ وانعتاقٍ!! / الكراسي العربية وصناعة الأعداء!! / ذكرى اليقظة والثورة والنار!!