الكاتب: أ.د مصطفى السعدنيالبلد: مصرنوع العمل: مقالتاريخ الاضافة 03/10/2006 تاريخ التحديث 05/03/2018 02:09:31 المشاهدات 6734 معدل الترشيح
العلاج السلوكي وبرامج تأكيد الذات ما زلنا مع القارئ الكريم في رحلة استعادة الثقة المفقودة بالنفس، ولعلك الآن بعدما قيمت واقعك من خلال المقاييس السالفة الذكر تريدني أن أجيب لك عن هذا السؤال الملح:
كيف أستعيد ثقتي بنفسي؟ وقبل أن أعطيك هذه الإجابة عليك في البداية أن تتجنب موقفين في التعامل مع نفسك عند الإحساس بالنقص:
الأول: لا تلتزم موقف الدفاع عند الخطأ: فأنت لا تحتاج أبدًا أن تتظاهر بالبطولة إن كنت ضعيف البنية، أو تتمادى في الافتخار بنفسك وبوسامتك إن كنت دميم الوجه، فموقفك الدفاعي هذا يولد زيادة الشعور بالقلق خشية أن يكتشف الآخرون الحقيقة والتي للأسف تكون ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد، واسمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم وهو ينهاك عن ذلك: "المتشبع بما لم يعط ، كلابس ثوبي زور"، وكذلك أخي العزيز لا تدافع عن خطأ ارتكبته أو كنت سبباً فيه؛ فالاعتذار في هذه الحالة هو أقل ما تقدمه. يقول المثل الهولندي: "على الوجه المحروق من الكعكة يُوضع الكثير من السكر"، ويقول المثل الفلبيني: "الأسد الذي يصطاد لا يزأر"، أما المثل الفرنسي فيقول: "الغش ينقلب على صاحبه".
الثاني: لا تهرب من الحقيقة: واذكر معي كيف كانت ترتفع درجة حرارتنا صباح يوم الامتحان المدرسي، وكيف كان يصيبنا المرض ونحن أطفال حتى لا نذهب إلى المدرسة كنوع من الفرار، فإياك أيها الحبيب أن تفر من نفسك ومن ضعفك ومن نقصك فيظل ملازمًا لك طوال حياتك، ولكن عليك بالمواجهة حتى يمكن أن تتغلب بعون الله على أي نقص فيك، وانظر إلى عمر بن الخطاب ـرضي الله عنهـ كيف كان يفرح عندما يُبدي له أحدٌ أي خطأ ارتكبه فيقول ـرضي الله عنه: "رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا". وما ذاك إلا لأنه اعتاد على مواجهة أي عيب فيه، فلا يتركه إلا وقد قضى عليه، فهو دائم في ارتقاء وعلو، حتى غدا عمر بن الخطاب الخليفة الفذ الذي لم تسمع الدنيا بمثله:
يا من يرى عمراً تكسوه بردته **** والــزيت أدم لــه والكــوخ مــأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا **** من بأسه وملوك الروم تخشاه
والآن إليك هذه المولدات للطاقة التي تبعث فيك نور الأمل في إعادة الثقة المفقودة إلى نفسك. 1ـ لِمَ لا تحاول؟!.. لا تدعهم يثبطونك: إن حديث الناس عنك من دواعي تثبيط همتك، فبدلاً من أن تستمع لمن يقول لك: "إنك لن تستطيع"، عليك أن تسمعها: لم لا أحاول؟!. وبدلاً من أن تتعرف على صورتك في عيون الآخرين لتجلب لنفسك تشجيعهم فصورتك الواقعية عن نفسك خير عبارات التشجيع. إن كان جيبك فارغاً، فحاول أن يكون رأسك شامخاً. استخدم فرشاتك في تلوين لوحتك ولا تدع أحدًا يلونها لك. فغالب الناس لا يكون عنده إلا اللون الأسود القاتم؟ وإذا كنت تخاف كلام الناس عنك إذا فشلت فلم لا تحاول النجاح؟
2ـ العمل المباشر: فليكن فقدان الثقة دافعًا لعمل مباشر يؤدي إلى استعادتها، وهذا واقع حي في حياة كثير من المشاهير. ـ فهذا "سير ونستون تشرشل" رئيس وزراء الإنجليز الأشهر صاحب الخطب الرنانة والكلمات التي سجلها التاريخ، كان ألثغ "لا ينطق حرف السين" في شبابه. ـ وهذا "واصل بن عطاء"، هذا المبتدع الذي أصبح رأس المعتزلة، كان مخرج الراء عنده فاحشًا شنيعاً، وكانت حاجته لنصرة مذهبه الباطل والدفاع عنه تحوجه للخطابة، فعمل على إسقاط الراء من كلامه، وكابد في ذلك كثيرًا، حتى استقام له أن يُلقي الخطب الطوال خالية من حرف الراء.
وكان بينه وبين 'بشار بن برد' صداقة، فلما جهر واصل بمذهبه دبت بينهما عداوة شديدة، وكان بشار يلبس القرط في أذنه على طريقة العجم، فكان واصل إذا خطب يقول عنه: "أما لهذا الأعمى المشنف المكنى بأبي معاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه ويقتله في منزله وفي يوم حفله" وهكذا تحاشى الكلمات التي فيها حرف الراء واستبدالها بغيرها وقال: بدلاً من "القرط": المشنف، وسمى بشار بكنيته: أبي معاذ، وتحاشى كلمة "يبقر" وقال: يبعج، وكلمة "فراشه": بمضجعه، و "داره": بمنزله، وسجلتها كتب الأدب والتاريخ.
- وهذا "أديسون" التلميذ الضعيف المستوى بالمدرسة الابتدائية يصبح أبرع مخترع في التاريخ، فقد سجل لنفسه أكثر من ألف اختراع!!، ويكفي البشرية كلها اختراعه للمصباح الكهربائي.
ـ كذلك "أبو العلاء المعري" أصبح من أبرع الأدباء و الشعراء مع أنه كان أعمى.
ـ و "ابن خلدون" الذي فقد أسرته فما أقعده هذا أن يكتب أعظم مؤلف في علم الاجتماع.
ـ و "تولستوي" الأديب الروسي صاحب رواية الحرب والسلام كان تلميذاً فاشلاً يئس مدرسوه من تعليمه شيئًا نافعاً، فأصبح عميد الأدب الروسي.
- وكذلك "أينشتين" صاحب نظرية النسبية - والتي كانت أساساً في فك العقال الذري والنووي كثيراً ما اشتكى مدرسوه من تأخر مستواه الدراسي.
ـ ولقد آثرت أن أضرب تلك الأمثلة بعينها مع أنها في معظمها لأهل الغرب؛ وذلك لأستثير فيك الحمية، فإذا كان أمثال وتولستوي وروزفلت وتشرشل وأديسون وأينشتين من أصحاب الدنيا، قد تحدوا ظروفهم، واتجهوا للعمل الدائب المباشر من أجل تحقيق النجاح، فما بالك وأنت صاحب رسالة سماوية وتحمل هم الآخرة، أفلا تواصل الليل بالنهار في عمل دائب حثيث من أجل تحقيق النجاح لتستعيد ثقتك في نفسك لتخدم بها أمتك ودينك؟
أما تستطيع ذلك وأنت تسمع دعاء نبيك صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل". بلى والله إنك تستطيع بعون الله، فلأنت أولى بذلك من أهل الغرب الذين قال قائلهم [آدلر]: تلميذ فرويد المنشق عليه، وعالم النفس الشهير: "إن البشر في إمكانهم أن يحولوا خيبتهم وفشلهم في الحياة إلى وسائل نادرة لإدراك نجاح أعظم".
الإمام ابن حزم الأندلسي وطلبه للعلم في الكِبَر: يروى أن الإمام ابن حزم الأندلسي قد طلب العلم وهو في السادسة والعشرين من عمره. وقد قال عن سبب تعلمه الفقه: إنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه فدخل المسجد قبل صلاة العصر والخلق فيه، فجلس ولم يركع فقال له أستاذه بإشارة لطيفة "أن قٌم فصل تحية المسجد". فلم يفهم، وقال له بعض المجاورين له "أبلغت هذا السن ولم تعلم أن تحية المسجد واجبة"؟.
قال: فقمت وركعت وفهمت إشارة الأستاذ لي بذلك، ولما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركة للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: اجلس، اجلس، ليس هذا وقت صلاة. فانصرفت وقد خزيت، ولحقني ما هانت عليً به نفسي. وقلت للأستاذ: دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحون، فدلني، فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألته الابتداء بقراءة العلم، واسترشدته؛ فدلني على كتاب الموطأ لمالك بن أنس رضي الله عنه، فبدأت بالقراءة فيه من اليوم التالي، ثم تتابعت قراءاتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام و بدأت بالمناظرة.
وكان سلطان العلماء العز بن عبد السلام، الذي ملأ الأرض علما وعظمة نفس، في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر. من ذلك نخلص إلى أنه مهما تقدم الإنسان في السن، سواء كان في شرق أم غرب، لا يفوت وقت تعلمه ونهوضه متى أراد ذلك بإرادة حازمة.
وصدق الشاعر الذي يَحُث طلاب العلم جميعاً بالصبر والإصرار على تحصيل العلم، وشبه ذلك الإصرار بالحبل المشدود على الصخر الصلب ويتحرك هذا الحبل على جزء مُعين من الصخر؛ فيحفر هذا الحبل في الصخر تجويفاً من تكرار حركته وهو مشدود على هذا الموضع من الصخر؛ فيقول:
اُطلُبْ ولا تضجرْ مِـنْ مَطلبٍ****فـآفةِ الطالبِ أنْ يضــــــجرا أما ترى الحبلَ بِطولِ المدى****على صَليبِ الصخرِ قَد أثًَّرا
3ـ التسامي: ويعني أن تستبدل ضعفك ونقصك بقدرة أخرى داخلك. وأن تُحاوِل في الصعب العسير فيصير مُمكناً، وأن تنظر في الظلام الدامس إلى ضوء النجوم وتُحاول أن تهتدي بهم، لا أن تتحسر وتجلس فاقد الأمل لاعناً للظلام.
وأراك الآن تقول لي: ما أسهل الكلام، وما أصعب الفعل!! فتعال معي لترى ذلك الرجل القمة الذي يمثل نموذجًا فذا لخطوة التسامي: كان راعي غنم نشأ في البادية، أسلم بعاطفته من خلال معجزة رآها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مسح ضرع الشاة الهزيلة العجفاء فدرَّت لبنًا وفيرًا، كان هزيل الجسم خفيف الوزن قصير القامة، إذا مشى وهبت الريح وقع على الأرض، يكاد الجالس يوازيه طولاً وهو قائم، كان له ساقان ناحلتان دقيقتان، صعد بهما يومًا أعلى شجرة يجتني منها أراكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك الصحابة من دقة ساقيه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "تضحكون من ساقي ابن مسعود؟!! لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد".
فكيف وصل ابن مسعود رضي الله عنه إلى هذه القمة؟ هل كان مجال المال هو مجاله؟ هل كان مجال الجاه والقوة والفروسية هو ميدانه؟ بماذا تسامى هذا الفذ على ضعفه الجسدي وفقره المالي؟
إسمع إليه في أول لقاء له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: "علمني من هذا القول يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: إنك غُلامٌ مُعلَّم".
والآن تعالوا نرى نموذجين للتسامي في تحويل الواقع الصعب القاسي المُر إلى واقع سعيد و مستقبل مبشر بديع، والنموذجين من الغرب، بعد أن ذكرت نموذجاً من سلفنا الصالح الكريم:
أنظر دائماً إلى النجوم الزاهرة، ولا تنظر تحت قدميك: خلال الحرب العالمية الثانية، صدر الأمر إلى أحد العسكريين بالانتقال إلى أحد معسكرات التدريب فاضطرت زوجته إلى مصاحبته للمكان الجديد ولكنها كرهت هذا المكان.
وكان زوجها إذا خرج إلى المعسكر للتدريب تركها وحيدة، وكانت حرارة الجو غير محتملة بالنسبة لها، ولم تكن تجد أحد يتكلم معها أو يحادثها، ووصل بها الأمر إلى أن أرسلت إلى والدها خطابا قالت له فيها إنني عقدت العزم على ترك زوجي و العودة إليكم.
ورد أبوها على خطابها بسطرين فقط هما: "من خلف قضبان السجن تطلع إلى الأفق اثنان من المساجين، اتجه أحدهما ببصره إلى وحل الطريق، أما الآخر فتطلع إلى نجوم السماء"
وبعد قراءتها لهذين السطرين خجلت من نفسها، وبدأت تتطلع إلى النجوم في السماء، ثم تطرق بها الأمر إلى مصادقة أهل القرية، حتى أنهم بادلوها حبا بحب، وما كانت تُبدِي إعجابها بأي شيء في القرية إلا وتجده بعد لحظات عند بيتها هدية من أهل تلك القرية.
تقول الزوجة: إن صحراء تلك البلدة لم تتغير، ولكنها هي نفسها التي تغيرت وتغير اتجاهها الذهني وبهذا استطاعت أن تحول تجربة أليمة إلى مغامرة مثيرة تعمر بسيرة حياتها. أنظروا معي في هذه القصة إلى حكمة والد هذه السيدة، وكيف رد عليها والدها بكلمات قليلة ولكنها تُوزن بالذهب؛ لقد طلب أبوها منها أن تنظر إلى الجانب المشرق في الصحراء التي تعيش فيها، ولا تنظر إلى الجانب المُظلِم في حياتها، وضرب لها ذلك المثل الرائع البليغ: بأن من ينظر إلى السماء في المناطق المُوحِلة يرى أبهى النجوم والبدر المتلألأ فتُسَر نفسه، أما من ينظر إلى الوحل في هذه المناطق فسيكتئب ويحزن، وقد يكره نفسه!.
والآن فلنتوجه إلى المثل التالي، والذي نرى فيه وبوضوح قيمة الإصرار على النجاح، والقدرة على عمل الشراب الحلو من الفسيخ –كما يقول المثل المصري المعروف "ده يعمل من الفسيخ شربات"– فهلموا بنا لنقرأه: ويتبع >>>>>>>>>>> أصنع من الليمون الحامض شراباً حُلواً