البطالة في مجتمعاتنا العربية مثل أزمة السكن، فجميع الحكومات العربية تقترب منها بتوزيع الأراضي، وما تغيرت نمطية تفكيرها وأساليب تصديها للمشكلة، ولهذا فهي قائمة ومتواصلة على مرّ الأجيال، وكلما ذُكِّرَت الحكومات بضرورة تغيير هذه النمطية أشاحت الطرف بعيدا، لأن الموضوع يتعلق بضرورة دوام المشاكل لكي يتحقق الحكم.
وإلا فإن جميع الدول في العالم تتصدى لمشكلة السكن ببناء المجمعات السكنية، ولهذا لا تجد أزمة سكن في الصين أو اليابان أو دول أوربا وأمريكا، وتجد هذه المشكلة في الدول العربية قاطبة. وعندما نأتي لموضوع البطالة فإن النمطية ذاتها تتكرر وتتجذر، ولا جديد في الأمر، فالعاطلون عن العمل يتكاثرون وحملة الشهادات بلا شغل.
وفي واقع الأمر أن حكومات الدنيا لا يمكنها أن توفر فرص عمل لمواطنيها إلا فيما يتجاوز نسبة الخمسين بالمائة بقليل، والنسبة الباقية من فرص العمل من إبداع المواطنين واجتهاداتهم، ولو أن العمل يعتمد على الحكومات وحسب، لأصبحت نسبة العاطلين على العمل في الدول المتقدمة تقترب من خمسين بالمائة. فالذي يحصل في العالم المتقدم، أن العديد من المشاريع والشركات من إبداع المواطنين الذين ينطلقون في المشروع ويوظفون مواطنين آخرين فيه، وبهذا فإن البطالة تتناقص لتنامي المشاريع وتطورها.
وما يدور في عالمنا العربي أن المشاريع الفردية والجماعية لا تنطلق ولا يتم تشجيعها، وإنما المواطن يعتمد على الحكومة في توفير فرصة العمل، والحكومة نفسها لا تدعم المشاريع الفردية والجماعية، وإنما تضع المعوقات وتعرقل الجهود والنشاطات الاقتصادية التي تساهم في القضاء على البطالة. والسبب يعود إلى تفشي الفساد وغياب دور القانون وعدم الشعور بالمسؤولية.
ومن المعروف أن العمل ابتكره البشر منذ الأزل، وبدأ بالزراعة والتجارة ثم تطور وتنوع، ومن أكبر الفرص التي تستوعب الآلاف من العاطلين عن العمل هي المشاريع الزراعية التي توفر الغذاء، وكذلك المشاريع الصناعية الفردية والجماعية، والتي عليها أن تحضى بالدعم والتشجيع من قبل الدولة حتى تتمكن من الثبات والتطور والانتعاش. كما أن الأعمال اليدوية لها قيمتها الاقتصادية ودورها الكبير في القضاء على البطالة واستثمار وقت وجهد الإنسان فيما هو إيجابي ونافع.
فالقول بالبطالة دعاوى باطلة وآليات تفكير عاطلة، والبشر هو الذي يصنع عمله ويسعى في سبل رزقه، وما يحتاجه حكومة وطنية مسؤولة تسانده وتدعمه بالوسائل المتاحة لكي يعبّر عن طاقاته بصورة إيجابية، وأهم ما على الدولة فعله هو أن تمضي في مسيرات البناء بأنواعه، لكي تمنح الأمل وتعزز القدرات وتفجر الطاقات، التي تجعل الإنسان يشعر بقيمته وقوته وعزته ودوره وكرامته، وأنه يجد ويجتهد في الوصول إلى أهدافه الذاتية والموضوعية.
فلنغير آليات تفكيرنا وننطلق بهمة عالية للعمل بروح التوثب والأمل!!
واقرأ أيضاً:
الأقوياء يهابون الأقوياء!! / السلوك بين العرض والطلب!! / تنويم أمة!! / فكّروا بطريقة اقتصادية!!