مجتمعات تختزن طاقات تكوينية مطلقة لا تعرف النضوب والشُحة، وديدنها التكوّن المتواصل أو التكوين المستمر.
وهي مجتمعات تتكوّن، بمعنى أنها تعيد تصنيع ذاتها وموضوعها ولا تستقر على حالة وتستنقع فيها، وإنما تترجم آليات المياه الجارية في عباب الأنهار الدفاقة المتوثبة، الواثقة بغداقة ما سيأتيها وبامتلاء أوعية أعاليها.
والتكوين تعني التخليق والابتكار والاختراع وترتيب عناصر الموجودات، وفقا لتفاعلات تنجم عن منتوجات أخرى غير مسبوقة، والتكوين ديدن الحياة وجوهر إرادة التطور والتغيّر والرقاء والبقاء.
والتكوّن تجسيد لمفاهيم الجريان وقوانين الدوران وإرادة الديمومة والتسرمد المِعطاء.
واللغة العربية غنية بمفردات الصيرورات الدائبة، والتحولات المتواصلة المتوثبة للتعبير عمّا فيها من المكنونات الطاقوية. فلكل طاقة قانون يستوعبها، وحالما تتفاعل معه تؤثر في محيطها وتساهم في استحضار ما يعزز تناميها وتطورها، لتحقيق ولادات متعاقبة وتطلعات واعدة ذات اتساع مطلق.
والكلمات الدالة على الحاضر والمستقبل، أي بصيغة المضارع، لها قيمتها النفسية والسلوكية وقدرتها على ضخ الأعماق بمعززات التفاعل الإيجابي مع الحياة، فكلمات مثل ( أكون، يكون، تكون، نكون، أتكوّن، تتكوّن، نتكوّن، تكوين)، لها تأثيرها التحفيزي الدافع للفعل الجاد والاجتهاد الأصيل، لأنها تستجمع طاقات الذات الفردية والجمعية وتصبها في مسارات الهدف وأوعيته، وبهذا تكون نتائجها ذات قيمة فعّالة في صناعة واقع الحياة المتكوّنة.
فالسائد في مجتمعات أكون احتشاد المفردات بصيغة الفعل المضارع في عباراتها، فهي الأكثر ميلا لحاضرها ومستقبلها من المجتمعات الأخرى، التي تسود في مفرداتها وعباراتها صيغة الفعل الماضي، وتتسيد على رؤاها وأفكارها مفردة"كان" أو "كانوا".
ذلك أن التفاعل بصيغة الفعل الماضي تنجز انقطاعا عن الواقع المعاصر والآتي لتلك المجتمعات، وتزيدها إسفافا بالضياع والخسران المبيد.
ولهذا فإن مجتمعات أكون تتمتع بسعادة ورخاء، ومجتمعات كان تتجرع البؤس والشقاء.
فهل لدينا القدرة على رفع رايات أكون والتحرر من قبضة كان؟!!
واقرأ أيضاً:
فكّروا بطريقة اقتصادية!! / السكتة الحضارية!! / عقلية الأسوار والجسور!! / الدول المضيئة والمعتمة!!