مجتمعاتنا تتغاضى عن السياحة الداخلية، ولا تحسبها ذات نشاط اقتصادي وقيمة اجتماعية وثقافية ضرورية لقوة الأجيال وتلاحمها. فالسياحة الداخلية ثورة معرفية مستمرة ومتطورة في الدول والمجتمعات المتقدمة، وتشكل رافدا اقتصاديا مهما ومؤثرا في الحياة الوطنية والاجتماعية.
وهذه السياحة نشطة جدا في الصين واليابان وأوروبا وأمريكا والدول الأخرى المتفاعلة مع عصرها، أما في مجتمعاتنا فجهلها وإهمالها ومنعها هو السائد، مما يساهم في التجهيل والعزلة الوطنية والاجتماعية. وبواسطتها يتحقق التحفيز الاقتصادي والتفاعل التجاري، وتتطور المشاريع وتنتعش الأسواق، وتتوفر فرص العمل ويجدّ الإنسان ويجتهد في صناعة الحياة الأفضل.
والدول العربية خصوصا تغفل قيمة السياحة الداخلية، ولهذا تجدها تهمل مدنها وما عندها من ثروات جمالية وثقافية وتأريخية ومعالم سياحية تدر أرباحا طائلة، وتحسب أنها خالية وبائسة وضائعة، فلا يجد الشباب إلا الانشغال بالانحرافات والضلالات التدميرية المؤدية إلى تداعيات دامية، تقتلع من الوعي الجمعي قيمة الأشياء القائمة في أوعية المكان العربي.
فلو اهتمت كل مدينة بما فيها وتحولت إلى مشروع ثقافي اقتصادي تفاعلي، وعملت على تسويق روعتها ومنتوجها ومعالمها الحضارية، لتطور الاقتصاد العربي وتقدمت المدن وتفاعلت وتماسكت، لأنها ذات منافع تكافلية وإضافات وطنية، وقدرات إبداعية تحقق طموحات أبناءها أجمعين.
فالعالم المتقدم لا يعتمد على الحكومات المركزية بقدر اعتماده على القيام بدوره في المَحلة أو المدينة، وإبراز ما فيها وتطويره، وصياغة الحكومات المحلية التي تستثمر في طاقات أبناء المدينة لتطويرها، وتأهيلها لكي تكون معاصرة دائما، ومتواكبة مع الزمان وإبداعات الإنسان. ومن الأفضل أن تتغير الرؤية العربية للمدينة والحكومة، لكي تنطلق الأمة في الطريق الصائب وتستثمر بطاقاتها، وتكون قوة ذات فعالية وطنية واقتصادية تؤهلها للمعاصرة الأصيلة.
فلنهتم بمدننا ومحلاتنا وبيوتنا وحدائقنا ومعالمنا، ولندرك أن المدينة مشروع اقتصادي على أهلها أن يستحضروا الأفكار، ويعملوا بعزيمة متفاعلة لتقديم أفضل ما عندهم، للمشاركة في صناعة القوة العمرانية والجمالية والاجتماعية اللازمة للاقتدار الأصلح والأمنع.
وتزخر مدننا بالذخائر الفكرية والإبداعية والاقتصادية والثقافية، القادرة على تشييد عمارة الحياة الأرقى، والتواصل الاقتصادي الأنفع لجميع المواطنين.
فهل لدينا مشاريع لتطوير وتشجيع السياحة الداخلية؟!!
واقرأ أيضاً:
الدول العنقودية!! / اتحاد الأفكار والعقول!! / عِيال الرحمن والشيطان!! / الملائكة والشياطين!!