ارتكب المفكرون العرب ورواد النهضة العربية أخطاءً جسيمة أسهمت بشل الأمة وتعضيلها ودفعها إلى متاهات معقدة، أودت بحياة دولها ودمرت مجتمعاتها.
ومن هذه الأخطاء الفظيعة الدعوة للوحدة العربية بأساليب فنتازية طوباوية منقطعة عن الواقع الحقيقي الذي تعيشه المجتمعات العربية، وبسبب هذه التوجهات الساذجة تمحّنت الأمة في وحدتها وتحوّلت بعد أكثر من قرن إلى ضرب من المستحيل.
والعلة أنهم أغفلوا الحقيقة المريرة التي تعيشها الأمة وهي التبعية، فالدول العربية ومنذ تأسيسها دول تابعة وما عرفت السيادة والقوة والاستقلال والحرية والكرامة، ولا توجد حكومة عربية واحدة في تأريخ العرب المعاصر تستمد قوتها من الشعب، وإنما معظمها أو جميعها تستمد قوتها من القوة التابعة لها، والتي تساندها وتعزز وجودها في الحكم، وما شذت حكومة عربية واحدة عن هذا النهج إلا فيما قل وندر جدا.
وبما أن الحكومات العربية تابعة وتستمد قوتها من القوى المتسيّدة عليها فإن الشعب لا يعنيها، وإضعافه هو هدفها ووسيلتها للحكم ولهذا عملت جميعها على إضعاف الإنسان العربي وهزيمته ذاتيا وموضوعيا، وشحنه بالأفكار السلبية عن نفسه وهويته وتأريخه وما يمت بصلة إليه، حتى حوّلته إلى موجود واهن يعتمد على الكراسي التابعة ويقدّسها، لكي تمنحه بعض الشعور بالقوة والسيطرة، ولكن على أبناء جلدته فيسعى ليكون ذئبا وسط خراف مسلوبة الإرادة ومصادرة المصير.
فالتبعية قانون يحكم العرب ولا يمكن للتوابع أن تتوحد، لأنها تدور حول أفلاك متنوعة وذات مصالح متقاطعة، وهذا يعني أن العرب عليهم أن يتصارعوا ويتقاتلوا لتأكيد مصالح الآخرين الذين يتبعونهم، ولكي تتعزز التبعية لابد من الإخلاص لمصالح المتبوع، فمصير الحكومات مرهون بمدى إخلاصها في تحقيق أهداف القوة التي تتبع.
وهذا يعني أن الوحدة العربية مستحيلة وممنوعة، فالوحدة لا تتحقق في الأمة إلا عندما يكون الشعب مصدر القوة والسلطة، والديمقراطية في جوهرها التأكيد على هذا المنطوق، وبما أن التطلعات الديمقراطية تعني التحرر من التبعية، فهذا خط أحمر وممنوع، ولهذا شهدنا ما أصاب الديمقراطيات العربية من تداعيات وتفاعلات، في حقيقتها تأكيد على التبعية وإقرار بضرورات تحقيق مصالح القوى المتبوعة، وهذا واضح في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان، وغيرها من الدول التي تسعى لتحقيق وتأمين مصالح القوى التابعة لها، ولا تعنيها مصالح الشعب، لأنه ليس المصدر الحقيقي للسلطة والقوة، وإنما القوة التي ينتمي إليها الكرسي وحسب.
وبما أن المفكرين العرب ورواد النهضة العربية قد أغفلوا التبعية، وأنكروا دور الإنسان في صناعة حاضره ومستقبله، فإنهم فشلوا تماما وأسهموا عن غير قصد في ترسيخ التفاعلات السلبية والتبعية للآخر ، كما أغفلوا القيمة الاقتصادية للفكرة والسلوك، وتقيّدوا بالنفط الذي أذهب بصائرهم، وشوه رؤاهم ومنطلقاتهم.
وعليه فالوحدة العربية لن تتحقق، والديمقراطية نوع من الخيال، لأنها تؤدي للوحدة والتحرر من التبعية، وبما أن ذلك سلوك ممنوع، فإن الصراعات العربية العربية، وفقا لوابل المسميات والتوصيفات ستتواصل على مدى هذا القرن الرهيب، الذي يستخدم فيه أعداء العرب العرب أنفسهم لقتل بعضهم البعض، وكل منهم يتبع قوة تدين بمصالحها لا غير!! فإلى أين يمضي العرب؟!!
واقرأ أيضاً:
مصير وعصير!! / لا عدو إلا أنت!! / الحوّاكون!! / الحُلم الوطني!!