اعتادت المجتمعات والشعوب على إتباع تقاليد وأعراف وقوانين ودساتير وقيم وأخلاق, وغيرها من الضوابط اللازمة لتحقيق الصالح المشترك.
ويندر وجود مجتمع بشري في الأرض قد تواصل وتطور, وترسخ في مسيرة البقاء من غير الإتفاق على ذلك والعمل بموجبه، والتفاعل الصحيح باتجاه المنفعة المتبادلة ما بين أبنائه. ومهما تنوع المجتمع وتعددت فيه الاتجاهات والتفاعلات والرؤى والمعتقدات، فإنها بلا قيمة أو معنى إن لم تصب في نهر الصالح المشترك، لأنها تستمد قوتها وقدرتها من هذا الهدف, الذي بدونه تفقد جميع مسوغات وجودها ودواعي تفاعلاتها في الحياة.
فما قيمة أي حزب في المجتمع إن لم يكن يسعى لتحقيق مصلحة المجتمع، وما قيمة أي دين أو مذهب أو مدرسة أو طائفة أو فرقة، إن لم تحمل في جوهر عقيدتها وفكرها تقوية المجتمع وتأكيد مسيرته المتقدمة النافعة. فلا فائدة من أي نشاط، إن لم يحقق الصالح المشترك، ولا داعي لأي فعل إذا تجرد من هذا المنطوق البقائي الحضاري, الذي تداولته الأجيال ومضت على صراطه وسنته.
وفي واقعنا، لا بد لنا أن نتأمله بعناية, ونسعى تحت لوائه بجدٍ وإجتهاد، وقدرة على العطاء الأصيل المفيد للجميع، وبهذا يتجسد نكران الذات والعمل الجاد من أجل إطلاق الطاقات اللازمة للبناء الأفضل وعلى جميع المستويات والنواحي والإتجاهات. فكل حزب أو فئة أو إتجاه عليه أن يسأل عمّا يساهم في تأكيد الصالح المشترك، وأن يكون واضحا وشفافا في جوابه، لكي يشارك بفعالية وقوة في بناء حالة المجتمع القوي المعاصر.
ولا بد من وجود الغاية الجلية التي يعرفها جميع المنتمين إلى الفئة أو الحزب، وأن يعبّروا عنها بإخلاص. فلا يمكن لأية حركة إجتماعية أن تكون فعالة في الحياة، إذا أغفلت الصالح المشترك، وتفاعلت بفردية وأنانية, وقوة محكومة بغابية النفوس وسوء الرغبات, وعملت بموجب الأمّارة الكامنة في دياجير الأعماق البشرية.
والمجتمعات التي تصنع مآسيها وويلاتها هي التي تغفل هذه الحقيقة الأرضية, فتتفاعل فيما بينها بعزلة وضيق رؤية وإنحسار أفق، فتصبح فريسة للآخرين الذين يتقدمون إليها وينهشونها بشراهة, بأنياب صالحهم المشترك الذي يوحدهم وينمي قواهم وقدراتهم.
وعندما نتأمل مسيرتنا في القرن العشرين وما بعده, يتضح بأننا قد أغفلنا بوصلة الصيرورة الصحيحة، ولهذا مضينا وما وصلنا إلى هدف، ولا رسونا في ميناء القوة والمعاصرة والإقتدار الحضاري، كما فعلت الكثير من المجتمعات التي بدأت بعدنا بعقود.
إن الإنتباه إلى هذا الفقدان الفكري والعقائدي للسلوك يمنع السقوط في خنادق اللاجدوى، ويؤدي إلى ضبط الخطوات وفقا لإيقاع جماعي مؤثر في مسيرة الجميع, حيث يصير الذي يعني, هو كيف تكون وتتفاعل وتعطي وتنطلق في أيامك، لكي تشيّد عمارة الحياة الصالحة لأبناء وطنك أجمعين.
أي أن يرتقي سلوك الفرد إلى سلوك المجتمع والشعب والأمة وبهذا نكون ونتحقق، أما إذا جعلنا سلوك المجتمع والشعب والأمة يتجسد في فردٍ فأننا سننتهي. فالطاقات عليها أن تتفجر في المجتمع، ولا يجوز أن تختنق طاقاته في صندوق الفردية ووالتحزبية والفئوية والكرسوية.
والخلاصة علينا أن ننظر إلى صالح الآخرين من حولنا لكي نحقق صالحنا، ومَن يتوهم بأنه يستطيع أن يجني ما يريد على حساب الآخرين فإنه ينتهي إلى مآلٍ مهين. فهل سنتحرر من قيودنا النفسية والسلوكية الإنفعالية, وندرك معنى التواصي بالتراص والتمسك بالصالح المشترك لكي نكون.
واقرأ أيضاً:
التظاهر والتقاهر!! / كلوفيس مقصود والأمل المقصود!! / الرأي رأيهم؟!! / العقل الوطني!!