يتعرض الجهاز النفسي لاختراق الكثير من الفيروسات لبرامجه الأساسية والفرعية، وقد ينجح جهاز المناعة المضاد للفيروسات في تنقيته من بعضها ولكن البعض الآخر يواصل تمكنه وتغلغله، وهنا تحدث تشويشات برمجية، بل قد توجه تلك الفيروسات نشاطات الجهاز النفسي لخدمة نموها ولتحقيق أهدافها فيصبح الإنسان مسخرا بكل طاقاته لخدمة عدوه ولتدمير ذاته.
ولهذا يحتاج الجهاز النفسي لنظام متجدد ونشط لمقاومة تسلل الفيروسات إليه، وربما لهذا (ولغيره) شرعت العبادات بمستوياتها المختلفة، فالصلاة تطهير ونظافة خمس مرات في اليوم والليلة وقد يضاف إليها برامج تطهير إضافية ممثلة في صلاة النوافل وهي تمثل خطا دفاعيا ثانيا يلتقط ما أفلت من الفيروسات لقصور في بعض الفرائض. والصيام تطهير سنوي للفيروسات المزمنة التي اختبأت في ثنايا الجهاز النفسي واستعصت على البرامج الأخرى، والزكاة برنامج خاص يطهر النفس من فيروسات البخل والشح والطمع والرغبة في التملك بلا حدود، والحج برنامج شامل يمسح البرامج التالفة كلها ويهيئ النفس لتلقي برنامج جديد تماما.
والتطهير وإعادة البرمجة يمران عبر طريق من الحرمان والسهر والصلوات وقراءة القرآن وقيام الليل والصدقات والدعوات، وذلك يستمر فترة طويلة نسبيا في رمضان يعطي القدرة على التغيير الحقيقي للجهاز النفسي، وحين تصل الطهارة إلى غايتها ويتم تصحيح أخطاء البرمجة تصبح النفس قادرة على التواصل مع خط السماء، وتصبح مهيأة في العشر الأواخر لبلوغ ليلة القدر، أي لالتقاط التردد الموجي للسماء بشكل صاف وواضح.
ولهذا لم يتحدد موعد محدد وحصري لليلة القدر بل تركت لنلتمسها في العشر الأواخر ولنلتمسها أكثر في ليالي الوتر. وربما تختلف ليلة القدر من شخص لآخر فبعض الأشخاص قد يستشعرونها مثلا ليلة الثالث والعشرين وبعضهم قد يستشعرها ليلة السابع والعشرين أو الواحد والعشرين أو الخامس والعشرين، وكأن كل شخص يصادف ليلة القدر الخاصة به في الوقت الذي تصفو نفسه وتتسامى روحه ويكون جاهزا لاستقبال الموجات العلوية القادمة من السماء، وإذا لم يصل إلى هذه الحالة فإنه لا يدرك ليلة القدر.
أي أن إدراك ليلة القدر ليس مصادفة أو ضربة حظ تقع لبعض الناس دون غيرهم، وإنما هي نهاية مطاف عمليات تخلية وتحلية قام بها الشخص المؤمن العابد المتوجه إلى ربه في خضوع وتضرع ووصل إلى حالة من الشفافية والروحانية تسمح له بالتواصل مع العالم العلوي الروحاني النوراني بعد أن نجح في التخلص من ثقل الطبيعة الطينية ومن تشويش الرغبات والنزوات والشهوات وملوثات النفس والروح.
ويتبع >>>>>>>>: المعنى النفسي لليلة القدر 1439 هـ
واقرأ أيضًا:
مسلسل مأمون وشركاه يسفه الأديان والمتدينين / معجزة الصين .. عبقرية إدارة البشر