لكل عمل فني محور أساسي يدور حوله ومحاور أخرى فرعية تتشعب منه، وإذا حاولنا أن نستكشف المحور الأساسي في مسلسل مأمون وشركاه الذي عرض في شهر رمضان 2016م فلا أعتقد أنه موضوع البخل الذي يتصف به الفنان عادل إمام في المسلسل، ولا الصراع على المال الذي اتضح في سلوك الكثيرين من أبطال المسلسل، ولا العلاقات الإنسانية بأشكالها المختلفة التي حفل بها المسلسل، فكل هذه تبدو محاور مهمة في المسلسل وفي الحياة، لكن المحور الأكثر حضورا وبروزا تمثل في استحضار ممثلين للأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام في بيت واحد هو بيت مأمون.
وقد حرص المؤلف بشكل يبدو متعمدا ومقصودا أن يستحضر نماذج مضطربة ومشوهة ليمثل بها المتدينين المنتمين للأديان السماوية الثلاث ليتفاعلوا بشكل يدعو للنفور منهم وكراهيتهم، فنرى "جاد" اليهودي وأسرته انتهازيين مستغلين، ونرى "إدواردو" المسيحي رجل عابث ضعيف الشخصية يشرب الخمر ونرى زوجته سيدة متسلطة وسليطة اللسان وعنيفة ونرى ابنته منفلتة أخلاقيا، ونرى معتز المسلم شابا متطرفا وعدوانيا وإرهابيا ومتآمرا.
ولم نر استثناءا في المسلسل لهذه القاعدة، فكل من يقترب من الدين منحرف ومشوه ومتطرف في صفاته السلبية وفي ادعاءاته. بينما يظهر نشأت الذي لا ينتمي إلى أي صفة دينية رجلا شيك وجميل ومتسامح ومخلص ومتفاني وصريح ومستقيم على الرغم من مشاكله المالية الكثيرة.
إذن فأي شاب يرى هذا المسلسل تصله رسالة بأن الأديان تفسد الطبيعة البشرية وتشوهها وتجعل الناس في صراع حتى ولو جمعتهم علاقات القرابة والنسب في بيت واحد، وأن التحرر من الفكرة الدينية يجعل الناس طيبين ومتحضرين ومخلصين وأوفياء وأنقياء كما هو الحال في سلوك نشأت وزوجته وابنته.
وحتى الأم التي تحاول أن تجمع شتات هذه النماذج البشرية المضطربة والمشوهة يصورها المؤلف في بداية المسلسل كئيبة وعجوز وسلبية وقبيحة الشكل حين كانت موظفة ملتزمة وشريفة، ثم يعطيها صورة أخرى مبهجة وإيجابية حين تحررت من زيها القديم المحافظ وذهبت إلى باريس لتجري عمليات تجميل ثم تلبس ملابس كاشفة لجسدها وهي في هذا السن، وهذا يرمي في نفس الاتجاه وهو تشويه المرأة المحتشمة المحترمة لصالح المرأة السافرة.
أما الأب مأمون وهو الشخصية المحورية فيعبد المال ويكتنزه ولا تظهر له أي علاقة بالدين غير السخرية والاستخفاف.
ويبلغ الصراع بين الأديان والمتدينين مبلغه بما يستدعي وجود قوات الأمن داخل كل ركن في البيت لتفصل بين القوى الدينية المتصارعة، وكأن هذا هو الحل الوحيد لإشكالية الصراع بين الأديان ولظاهرة فساد المتدينين كما يروج لها المسلسل، وليسوق فكرة أن "الأمن هو الحل".
وبهذا يخلص المشاهد للمسلسل – خاصة لو كان شابا – أن فكرة الأديان فكرة سخيفة، وأن كل المتدينين كاذبين ومدّعين ومشوهين ومتطرفين وانتهازيين، وهذا يمهد الطريق لقبول فكرة الإلحاد، والتي يقبل عليها فعلا أعداد كبيرة من الشباب في هذه الأيام كرد فعل لحالة الإحباط العام وكحصاد لأخطاء حقيقية وقع فيها بعض المتدينين وقام الإعلام بتضخيمها (وتوظيفها لأهداف سياسية) والإيحاء بأنها هي القاعدة في كل من يقترب من الدين، أي دين.
واقرأ أيضًا:
تأملات في المشهد التركي / المعنى النفسي لليلة القدر