عاش العالم الليلة الماضية يتابع أحداث محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، ومع مرور الساعات تغيرت الصورة بعض الشيء وبدا أن ثمة تراجع في فرص نجاح الانقلاب (على الأقل حتى الآن)، وبصرف النظر عما ستؤول إليه الأمور في الساعات القادمة نستطيع أن نستقرئ من المشهد التركي الملاحظات التالية:
٠ تجاهل مطالب المعارضة والاستخفاف بوزنها يؤدي إلى نتائج كارثية حيث تبحث المعارضة عن مخارج غير ديموقراطية لتحقيق رؤيتها، وقد تلعب على بعض عناصر الغضب والتذمر في المؤسسة العسكرية.
٠ استعلاء الأغلبية وتمترسها حول نتائج صناديق الانتخابات يخلق حالة من الدكتاتورية تسمى "دكتاتورية الصندوق" حيث لا تسمع الأغلبية الحاكمة إلا صوتها، وقد تصل إلى حالة من الغرور يخفي عنها الكثير من الحقائق على الأرض فتفاجأ بما لم تتوقعه.
٠ الديموقراطية يحرسها الشعب ويحافظ عليها، إذ لولا خروج الناس إلى الشوارع والميادين وسيطرتهم على عناصر التمرد لنجحت المحاولة الانقلابية.
٠ الناس لم يخرجوا للهتاف بحياة رئيس أو زعيم ولم يحملوا صوره بل خرجوا للحفاظ على خياراتهم الديموقراطية التي ارتضوها من خلال صناديق الانتخابات.
٠ لم ينخدع الأتراك بتصريحات مجموعة التمرد من أنهم جاءوا للحفاظ على الديموقراطية، إذ لم يثبت تاريخيا أن أي حركة انقلابية كانت حريصة على الديموقراطية.
٠ على الرغم من أخطاء أردوغان في سنوات حكمه الأخيرة إلا أنه يظل زعيما محبوبا في المجتمع التركي وله ظهير شعبي قوي خرج ليستقبله في المطار، وافترش بعضهم طريق المطار حتى يمنع تقدم دبابات الإنقلاب نحوه. ومع هذا لم يحمل أنصاره صوره، بل حملوا أعلام بلدهم تركيا، فالهدف هو حماية الوطن ومقدراته وليس حماية الزعيم.
٠ كان أردوغان شجاعا حين خاطب الناس في البداية من خلال التليفون المحمول ثم ركب طائرته وتوجه إلى مطار اسطنبول ليكون بين الناس وليلقي كلمته الموجزة والحاسمة من المطار، إذ كل ذلك كان يحمل مخاطر هائلة تهدد حياته خاصة وأن الأمور لم تستقر بعد، فهو قد رفض نصائح حراسه بأن يبقى في مكان مجهول وآمن حتى تتضح الأمور، وهكذا يكون مكان الزعيم بين أهله وناسه وليس في حفرة أو شقة أو قصر أو مكان مجهول. وكان أردوغان يبدو قلقا ولكنه احتفظ بدرجة عالية من التوازن الإنفعالي والسيطرة على كلماته وحركاته.
٠ لم يخرج الناس لشخص أردوغان ولكن لرمزية مكانته كرئيس للبلاد ولما يذكرون من إنجازاته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية على مدى سنين حكمه ولما رأوا من تفانيه للنهوض ببلاده سواء أخطأ أو أصاب. وقد يرى بعض الأتراك فيه غير ذلك ويعارضونه ولكنهم أيضا خرجوا للحفاظ على ديموقراطيتهم، بصرف النظر عن بعض أخطاء الرئيس وحكومته.
٠ ألقى أردوغان كلمته في المطار وخلفه صورة كبيرة لكمال أتاتورك، وعلى الرغم من أنه وصف الجيش التركي بأنه جيش محمد (كما يتصوره)، ولكن صورة أتاتورك الرابضة خلفه ربما تقول شيئا آخر عليه أن يضعه في الاعتبار.
٠ ربما يحتاج أردوغان أن يعترف بأنه آن الأوان لإعطاء فرصة للتغيير حتى لا ييأس معارضوه من ذلك فلا يجدوا غير الإنقلاب العسكري وسيلة لتغييره، وهذا ما فعله لولا دي سيلفا رئيس البرازيل وما فعله مهاتير محمد رئيس ماليزيا حيث ابتعدا عن السلطة طواعية بعد أن حققا لبلادهما طفرات اقتصادية هائلة ولم يغريهما النجاح في الإستمرار في السلطة بلا نهاية فالسلطة لها أمراضها، وقد بدأت بعض هذه الأمراض تظهر على أردوغان رغم إنجازاته الكثيرة لبلاده. وربما يغضب أنصاره ومحبوه وعاشقوه من هذا الكلام حيث يعتبرونه زعيما فذا لا يتكرر، وهذه هي الخطورة أن يصل الناس لهذه القناعة ويعتقدون أنهم يضيعون لو توارى الزعيم، وليس أخطر على زعيم من أن يعتقد أنه وسيلة النجاة الوحيدة لشعبه.
٠ أظهر الكثيرون في الإعلام المصري شماتتهم في أردوغان وحكومته ورغبتهم في نجاح التمرد العسكري، ولم يضعوا في الإعتبار تداعيات ذلك من انقسامات وصراعات أهلية تفتت بلدا كبيرا كتركيا ليلحق بالعراق وسوريا وليبيا واليمن. كم هو خطر أن نشخصن الرؤى والأحكام ويقصر النظر إلى هذا الحد حتى عند كبار المثقفين والمعلقين والخبراء الاستراتيجيين. حدث هذا في حين أدان الإتحاد الأوروبي المحاولة الانقلابية وأعلن دعمه للمؤسسات الشرعية الديموقراطية.
٠ كانت الشرطة تعمل في اتجاه الحفاظ على القانون والشرعية فلم تنجرف مع مجموعات التمرد، ولم تقم بأعمال انتقامية هنا أو هناك بل اتسم أداؤها بالإنضباط لتحقيق الأمان للجميع، وهذه هي رسالة الشرطة.
واقرأ أيضًا:
رأس الحمار / مسلسل مأمون وشركاه يسفه الأديان والمتدينين