القرص الطائر Air Spinner من لندن إلى الزقازيق
بعد يومين وساعات من عودتي من لندن فجر الاثنين 1-8-2016 وجدت أخيرا الفرصة لأكتب، وكم أخشى هذه المرة ألا أكتب كثيرا عن سفرة لندن الثانية لي... لسبب بسيط هو أنني أكاد لا أذكر شيئا مما يفترض أن أحكيه للمجانين... لكن هذا السبب على بساطته فاجأني عندما انتبهت إليه وفهمته، فاجأني أنه حدث هذه المرة بالذات ... فبينما استطعت الكتابة عن سفرة لندن الأولى ولقائي سداد ورحلتي معه في أسواق لندن مرة في شارع أكسفورد الشهير ومرة أخرى في ويستفيلد ... فأنا هذه المرة لا أكاد أذكر شيئا من تفاصيل الأماكن والأسماء والأحداث مما يفترض أن أحكي.
فسرت الأمر لنفسي بأنني هذه المرة كنت مشتت الانتباه إلى أقصى حد... هل هي متلازمة الاحتراق النفسي؟ هل هي حيوية سداد -بارك الله فيه- وخفة انتقاله كالطبق الطائر؟ لا تكاد تحدد مكانه وهو فيه؟ ... لماذا لا تذكرني الصور بما يتداعى من تفاصيل؟ عرفت أنا السبب وفاجأني ولن أحرق المفاجأة وأتركها علَّ يخمنها المجانين فأرد عليهم عبر التعليقات على المدونة (أسفل الصفحة).
وفي نفس الوقت أنتظر ما سيكتب د. سداد عما خبرناه سويا في لندن على مدى يومين، لكنني أخصص التدوين الآن لما بدأ صباح السبت 30-7-2016 حين اصطحبني د. سداد من الفندق وصولا إلى آخر شارع أوكسفورد من ناحية قوس الرخام أو Marble Arch وصولا إلى دوار أوكسفورد حيث يتقاطع شارع وفيه يقع محل أو سوق هامليز الشهير للعب الأطفال لنشتري مسدس الماء لابني الصغير جواد... ستة طوابق (-1 إلى 5) من لعب الأطفال من كل الألوان والأشكال... وفي كل طابق تجد عددا من الشباب والشابات هنا أو هناك يقوم بعرض لعبة جديدة مع مداعبة مستمرة للأطفال وإشراك لهم في اللعب.. كان المكان مزدحما كما رأيت لكن سداد قال : قرب الكريسماس لا تكاد تصدق أعداد الناس هنا... فقلت أكثر من هذا الزحام فقال بكثير بكثير. ... لهذا السبب دخلنا هامليز قاصدين مسدس الماء فاشترينا عدة أشياء، أغربها في عيني كان القرص الطائر Flying Disk أو دوار الهواء Air Spinner فقد رأيت فتى يلاعب بعض الأطفال بها وأعجبتني فأضفناها لما أخذناه من هامليز، ...... وأترك بقية الحكي عن ذلك اليوم لأخي سداد لأبقى عندما حدث يوم السبت أثناء جولتنا في أرجاء لندن.
ثم مساء يوم الاثنين أي بعد ساعات من وصولي من لندن وبعدما ناجزت مرضاي في عيادة الزقازيق، اتصلت بمدير أكبر محل ألعاب في الزقازيق لأسأله عن الهليوم وهو يعرفني فأجاب بأن ماكينة نفخ الهليوم معطلة منذ مدة... ولا أستطيع التأكد إن كان صادقا أم مضطرا لأن لائحة المحل لا تسمح بتعبئة اللعب المشتراة من محلات الغير.. الله أعلم، المهم أرسلت مساعدي في العيادة ليبحث في محلات اللعب فعرف أن مكانا واحدا فقط في محافظة الشرقية –كلها وليس الزقازيق- عنده اسطوانات الهليوم... فأخذت مساعدي معي إلى البيت وفتحت غلاف القرص وقرأت طريقة التحضير وكانت مكتوبة بالإنجليزية ففهمت أنها تملأ ببطء مع مراعاة بقاء الدائرة المعدنية التي تمثل إطار القرص من الداخل سليمة، وعلى من يملأ القرص كلما اعوجت الدائرة أن يدلكها ببطء من الناحيتين، وأن الغر من تعبئتها بالهليوم ليس أن تطير إلى الأعلى لتلتصق بالسقف مثلما هو معتاد في بالونات الهليوم لأنها ليست بالونة وإنما هي قرص دوار يرتفع قليلا في حدود لا تزيد عن مترين ثم يهبط إلى الأرض من نفسه، شرحت هذا الكلام لمساعدي وأكدت عليه أن يخبر من صاحب المحل بكيفية عملية الملْ إن كان لا يعرف الإنجليزية أو أن يعطيه الطريقة مكتوبة بالإنجليزية إن كان يعرفها.
بعد حوالي نصف الساعة وصل مساعدي وفي يده بالونة مكلكعة وإطار الدائرة متكور بعضه على بعضه .. ما هذا يا محمد لقد شرحت لك فأجابني: قلت محا قلته لي لصاحب المحل فلم يهتم كثيرا بما أقول وإنما نادى على أحد العاملين وقال له املأ هذه فظننتهم يعرفون ... وعندما رأيت أنها اعوجت قلت له أن عليه تدليك إطار الدائرة ببطء من الناحيتين وساعدته في ذلك لكن لا فائدة.
ارتديت ملابس الخروج مرة أخرى وذهبت معه إلى المحل لأنه قال لي كدت أصطدم بسيارة لأن اللعبة تطير مني وبالكاد أبقيتها أمامي على الموتوسيكل.... فقلت له إذن أنا سأمسكها يا محمد وأذهب معك لأشرح لهم بنفسي... وبالفعل ذهبت فوجدت محلا متوسط المساحة ليس مختصا بلعب الأطفال وبدا شبيها بمحل الكماليات وعلى الكاشير يجلس رجل في الثلاثينات شرحت له الأمر فبدا عليه الانزعاج لا مما حدث وإنما لأنه لا يفهم ماذا أريد ولماذا أنا منفعل فهم عبئوها بالهليوم كما طلبنا !! وتلك هي وظيفتهم ! قلت له هذه ليست بالونة هذا قرص دوار هذا لعبة كأنها طبق طائر ... إذا أردت تخيلها فهي تستخدم بأن يمسكها الطفل أو من يلاعبه ويدخل بطنه أو وسطه فيها حتى لتبدو كأنها تنورة ثم يتركها فتطير محلقة على ارتفاع بسيط بطول أطفال المدرسة ثم تهوي ببطء إلى الأرض ... وانهمكت في تمثيل كيف ذلك مستخدما يدي على قرص متخيل وكنت بالحق منفعلا –رغم اطمئناني لأن لدي قرص آخر ما زال في غلافه- وطلبت ورقة التعليمات من مساعدي ورحت أقرأ وأترجم ... وكان الغريب إصرار مدير المحل على أنهم فعلوا ما طلب منهم وعبئوا اللعبة بالهليوم، ... وأنه ليس من المعقول أن أتوقع أنهم سيقرؤون ورقة تعليمات حتى لو كانت بالعربية فهو –شخصيا- مدرس لغة إنجليزية لكنه لو كان موجودا من نصف ساعة لم يكن سيقرأ !!
المهم طرأت ببالي فكرة أن نقلل ما بداخل القرص من الهليوم ونقوم بمحاولة الوصول بالدائرة إلى استواء محيطها... وكان رده الذي بدا سخيفا يا سعادة الباشا لقد ملأناها بـ 300 مل ولا تمكننا إعادته إلى الاسطوانة ! استغربت توقعاته وقلت له أريد تفريغه في الشارع أي في الهواء ولكن ببطء من فضلك ... ولما اطمئن إلى أني لا أنوي مطالبته برد أي نقود .. هدأت علامات توتره وقال لنجرب إذن ... وما زلت معه نفرغ قليلا فقليلا حتى اعتدل إطار الدائرة وأصبحت لا تعلو إلى السقف وإنما تهبط إلى الأرض بعد قليل من التحليق ... وجربتها مرتين وقلت هكذا ... فاعتذر مدير المحل لي وشكرتهم ومضيت راجعا إلى جواد الذي بكى كثيرا لأنه لم يلعب بعد باللعبة الجديدة.... وما زلت ألاعبه بها وأشرح له كيف يلعب بها ويلاعب آخرين وهو ما زال مصرا بعد ضم القرص إلى جسده أن يدفعه بيديه ونادرا ما يتركه ليطير بنفسه.... يبدو أن لديه مشكلة ما في التركيز وعليّ حلها بإذن الله.
تأملت هذا الذي حدث فأوجعني كثيرا أن يختفي من أغلب الأماكن في قطاع الأيدي العاملة في مصرنا الحبيبة ذلك الإنسان المتقن الذي يهتم بصواب ودقة ما يفعل، الإنسان الذي يدرك أنه إنسان يحمل عقلا وأن عليه إحسان عمله باستخدامه، نادرا ما تجد أحدا مستعدًا للتعلم كل ما يرومون هو التخليص أو الإنجاز، أي المهم هو الحصول على النتيجة وليس كيف حصلت، وأن البطالة شائعة وعليه الإسراع ليلحق الفرصة خليجا أو شمالا أو حتى محليا، لذلك تجد من العاملين من يدعي الخبرة بصنعة لا يعرفها، لا يريدون إلا التخليص والإنجاز ....حتى أن ذلك الداء الخبيث أصاب بل استوطن عقول كثير من الطلاب في مختلف المراحل التعليمية وصولا إلى الجامعة، بل وما بعد الجامعة أي الدراسات العليا.. الغالبية العظمى مستعدون لاقتراف أخطاء وادعاء خطوات لم تنفذ بما يرضي الله بل والحصول على شهادات مزورة لدورة مثلا أو دورات من أجل أن ينتهي من دراسته العليا..... وغالبا يبررون ذلك بأن السوق العملي والأكاديمي لا يحتاج إلا ذلك ولا علاقة لما ندرس أو نبحث بما نحتاج فعله في حياتنا العملية... وهم في جوانب محقون، لكن المشكلة الحقيقية أنهم لا يريدون تعب الدماغ الذي يلزم على المتعلم الحقيقي أو الباحث الحقيقي (أي الصادق الموضوعي -قدر الإمكان-) أن يتحمله خاصة في بلادنا... هم في النهاية لا يريدون التعلم بالتفكير والتجريب بالنسبة للباحثين وللمتعلمين من خلال عملهم على حد سواء....
العامل المصري الذي يكون من بين واجباته الوظيفية أن يعبأ أوعية الهليوم لابد أن يكون على دراية بالجهاز الذي يستخدمه والعبوة الفارغة التي يملؤها ... لكنه لم يكن كذلك ... وبينما كان العامل اللاعب اللندني في هامليز يشرح كل شيء عن القرص الدوار .... لم يدرك صاحب المكان ولا العامل في الزقازيق أنه ينفخ شكلا مختلفا –وقد أخبِرَ- أنه يحتاج طريقة مختلفة في التعبئة لم يدرك إلا ما يستطيع الروبوت أو الإنسان الآلي المعاصر فعله من فتح صمام العبوة وإدخال الأنبوب المصاحب للقرص داخله ثم ضخ الهليوم ... بل يؤسفني أن هذا الخطأ لن يقع فيه الروبوت الذي يستطيع تمييز أشكال العبوات المختلفة ويضبط الضخ أوتوماتيكيا !! يعني عندنا وضع لا يسر.... عندنا روبوتات حية أقل قدرة على التمييز والتعامل مع المعطيات الفكرية الجديدة من الروبوتات الميتة...
وفي النهاية أورط أخي سداد في كتابة مدونة أو أكثر عن جولاتنا معا في لندن ثلثي الجمعة 29 وثلثي السبت 30-7-2016 ...... وأسألكم الدعاء بحقن الدماء في كل مكان وهي في أوطاننا تصل إلى الركب... وقد رأيت في لندن حفظها الله وأهلها مئات الأمثلة التي تبين كيف يمكن تحقيق التعايش السلمي بين كل الناس من كل الأديان والأشكال والألوان بل وحتى اللادينين وغيرهم، وكي لا يطلع علي أحدهم قائلا كيف تدعو للندن ؟! فردي هو : في لندن رأيت محجبات أكثر مما رأيت سافرات ورأيت بنات جادات نشيطات أكثر مما رأيت متبرجات أو هازلات أو مائعات ورأيت ما تمنيت أن أراه في بلادي .. وأخشى أن الأوان لأراه فات.... تحتاج بلادنا "-؟؟؟!!-" على الأقل من السنوات..... أذكركم بماذا ترى يكون السبب الذي فاجأني ؟ وجعلني أنسى أو ربما لم أسجل كثيرا مما دار في لندن خاصة مع سداد ؟؟... أنتظر التعليقات (أسفل الصفحة)
وأخيرا على القرص الطائر من لندن إلى الزقازيق يا قلب لا تحزن.
واقرأ أيضاً:
الكتابة أوفلاين من مجانين إلى روكسي ! / وداعا يونيو حزيران شهر النكسات السمان