الدنيا تحالفات وتوافقات واتحادات، وعلى مدى القرن العشرين والدول تتحالف وتؤسس لتفاعلات متبادلة المنفعة، إلا الدول العربية التي ما تعلمت مهارات التحالف، وإنما أجهدت نفسها وبمعاونة الطامعين فيها، لتأكيد أساليب التناحر والتخالف الذي وصل إلى ذروته في القرن الحادي والعشرين، حيث صار العربي يقاتل العربي والحكومات تقاتل المواطنين وتستعين عليهم بقوى أجنبية. فلماذا لا يتحقق تحالف عربي عربي؟!
يبدو أن ثقافة التقسيم والانقسام والتفتت والتشظي هي الفاعلة في العقل السياسي العربي في معظم الدول، فمنذ أن وُجدت الدول العربية وكأنها قد بنيت على أسس التنافر والتعارض والتصارع، وقد شهدنا ذلك في العديد من الأحداث والتطورات، وما نجحت تجربة عربية اتحادية واحدة، وما تقاربت دولتان عربيتان إلا لتحقيق مصالح الآخرين، وحتى إتحاد دول الخليج العربي لا يمتلك سياسة تحالفية واحدة، وإنما كل دولة تخدم منهجا واتجاها، وهذا واضح في سياسات دوله التي تحسب على أنها مستقلة عن رؤية الإتحاد.
كما أن تجارب العرب الوحدوية ومنذ الستينيات وحتى اليوم أصيبت بالفشل المقصود لتعزيز الهزائم والانكسارات، وحتى في دولتين عربيتين كان يحكم فيهما حزب واحد وصل العداء بينهما إلى درجة لا يمكن تصديقها، فسوريا وقفت مع إيران بكل طاقاتها أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وما ساهمت بإطفاء نيرانها.
وقبل ذلك فشل الاتحاد الهاشمي، والوحدة المصرية السورية، وغيرها من المحاولات التحالفية للحفاظ على السيادة والقوة والقدرة على التقدم والمعاصرة. وهذا يعني أن الإرادة العربية ليست حرة، وإنما مصير الدول العربية تقرره المصالح الإقليمية للدول المجاورة والعالمية، وما الحكومات إلا أدوات لتنفيذ أجندات هذه القوى وتطلعاتها، وبمعنى آخر فإن الدول العربية ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن منقوصة السيادة، وبعضها تحت الاحتلال المباشر أو الغير مباشر، وأخرى تُحكم بالوكالة، ولهذا فلا يمكن القول بوجود دول في المنطقة العربية كما يعني مفهوم الدولة.
وهذا يفسر التداعيات المتلاحقة والعداء ما بين المواطن والدولة، وما تقوم به الأنظمة الحاكمة ضد مواطنيها في معظم الدول العربية، التي يتم قمع الشعب فيها وقهره والنيل منه بأبشع الأساليب، وعلى مرأى ومسمع الدول الأخرى في كل مكان، والتي تحسب ما يجري تحصيل حاصل لسلوكيات التبعية والإذعان لإرادة التسلط والامتهان.
ولن تقوم قائمة للدول العربية في هذا القرن إن لم تناضل بقوة، لاسترداد عروبتها وقيمها وهويتها وعزتها وكرامتها، وتتمكن من التحالف المصيري فيما بينها، فما جرى بينها ليس مثل الذي جرى بين الدول الأوربية، التي أمضت قرونا في حروبها وصراعاتها الشرسة، لكنها أدركت أن لا بد لها من التحالف والتعايش والإندماج، وبناء الإرادة القارية التي تمنح المواطنين الهوية الأوربية، لتعلو على الهويات الصغيرة التي أذاقت الأجيال مرارات الويلات.
والعرب من أكثر الأمم تأهلا لصيرورة واحدة ذات قيمة ومنفعة حضارية تُسعد الأجيال تلو الأجيال.
فهل سيمتلك العرب جرأة وإرادة التحالف العربي العربي؟!!
واقرأ أيضاً:
الوطنية والديمقراطية!! / الأمة المفعول بها أبدا!! / يوم السلام!! / العرب عدو العرب!!