أصداء رحلة ماليزيا 2
نهضة ماليزيا... التعليم أولا
لاحظ مهاتير محمد تفشي الأمية في الشعب الماليزي وتدهور مستوى التعليم, وانصراف غالبية الماليزيين إلى الأعمال البسيطة مثل الزراعة والصيد, ولاحظ حالة الكسل المتفشية في الناس ورضاهم بالحياة على المستويات الأدنى والرضا بحالة الفقر والرضوخ لسلطة الفساد واعتبارها أمر واقع. لذلك كان عليه وهو يخطط لنهضة ماليزيا أن يبدأ بالتعليم, بحيث يبدأ الاهتمام بالتعليم منذ مرحلة ماقبل المرحلة الابتدائية, فجعل هذه المرحلة جزءا من النظام الاتحادي للتعليم, واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال مسجلة لدى وزارة التربية والتعليم وتلتزم بمنهج تعليمي مقرر من الوزراة.
واكتشف مهاتير محمد وخبرائه أن ثمة تباعد بين التعليم الموجود وبين سوق العمل والإنتاج واحتياجات النهضة في ماليزيا, ولاحظ حالة الإحباط وضعف الانتماء لدى طوائف عديدة من الشباب لذلك تم إضافة مواد تنمي المعاني الوطنية وتعزز روح الإنتماء منذ التعليم الابتدائي. ومن بداية المرحلة الثانوية تصبح العملية التعليمية شاملة, فبجانب العلوم والآداب تدرس مواد خاصة بالمجالات المهنية والفنية التي تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم وإعدادهم لسوق العمل.
وظهرت ضرورة إنشاء عدد كبير من معاهد التدريب المهني التي تستوعب طلاب المدارس الثانوية وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية, وتقنية البلاستيك. وكان من أشهر هذه المعاهد معهد التدريب الصناعي الماليزي والذي ترعاه وزارة الموارد البشرية, وقد أصبح له تسعة فروع في الولايات الماليزية.
كما أنشأت الحكومة الماليزية العديد مما يعرف بالمدارس الذكية التي تتوفر فيها مواد دراسية تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة, وذلك من خلال مواد متخصصة عن أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة التي لا تحدث تلوثا بالبيئة. ويتم اختيار مدير المدرسة من القيادات التربوية البارزة, ويساعده فريق من الأساتذة ممن لديهم قدرات مهنية ممتازة, كما تتيح مشاركة الطلاب في اختيار البرامج الدراسية, بجانب حرص هذه المدارس على التنويع والتطوير في أساليب التدريس مثل الرحلات العلمية والأيام الترفيهية.
وأنفقت الحكومة الماليزية على التعليم في عام 1996 م 2.9 مليار دولار بنسبة 21.7 % من إجمالي الإنفاق الحكومي وازداد هذا المبلغ إلى 3.7 مليار دولار عام 2000 م بما يعادل نسبة 23.8 % من إجمالي النفقات الحكومية. وتم بناء مدارس جديدة وخاصة المدارس الفنية, وإنشاء معامل للعلوم والكومبيوتر, ومنح قروض لمواصلة التعليم العالي داخل وخارج البلاد, وأصبح القانون الماليزي يعاقب الآباء الذين يتقاعسون عن إرسال أبنائهم إلى المدارس. وكان ثمة حرص على الإستفادة من النظم التعليمية في الدول المتقدمة, وتم إنشاء أكثر من 400 معهد وكلية جامعية خاصة تقدم دراسات وبرامج تتواءم مع أعرق جامعات العالم, كما أتاحت الفرصة للطلاب الماليزيين لمواصلة دراستهم في الجامعات الأجنبية.
وحين تسلم مهاتير محمد عمله كرئيس لوزراء ماليزيا كان لديهم 5 جامعات فقط, وحين سلم السلطة عام 2003 م كان في ماليزيا 80 جامعة, 40 منها حكومية و40 خاصة. والجامعات الماليزية من أهم الجامعات في العالم, وهي مصنفة من بين أهم وأول 200 جامعة عالمية، وحتى لا يكون التعليم نظريا ومغتر با عن الحياة العملية عملت الحكومة الماليزية على تقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص لتفتح المجال لاستخدام أنشطة البحث الجامعية لأغراض تجارية وصناعية. ولم تعد الحكومة مطالبة بدعم كل الأنشطة البحثية بمفردها بل شاركتها في ذلك المصانع والمؤسسات المالية والاقتصادية, وقد أدى ذلك إلى امتلاك المصانع الماليزية القدرة على التطوير والابتكار والمنافسة وإثبات وجودها في الأسواق العالمية.
وهناك ثلاثة أنواع من المدارس في ماليزيا: المدارس الحكومية (العامة) والمدارس الخاصة وأخيرا المدارس الدولية. والتعليم الأساسي يتكون من مرحلتين: المرحلة الإبتدائية 6سنوات والمرحلة الثانوية 5 سنوات, وهذه المراحل مجانية تماما ومتاحة للجميع وإجبارية. وبعد التخرج من المرحلة الثانوية يمنح الطلبة المتفوقين منحة التعليم الجامعي المجاني, أما غير المتفوقين إذا رغبوا في استكمال تعليمهم الجامعي يحصلون على قرض من الحكومة على أن يبدءوا تسديد هذا القرض بعد ستة أشهر من التخرج في حالة حصولهم على عمل وذلك بفائدة ضئيلة جدا (1%), وإذا لم يحصل على عمل يتم إعطاؤه مهلة إضافية, ولكن الخريج لا يستطيع مغادرة البلاد دون تسديد القرض التعليمي.
وهناك اهتمام خاص بتدريس اللغة الإنجليزية في جميع المراحل وهذا يسهل تواصل الماليزيين مع كل العلوم والثقافات حيث تمثل اللغة الإنجليزية لغة عالمية واسعة الانتشار. وكان التعليم على هذا النحو هو قاعدة الإنطلاق للنهضة الماليزية حيث أحدث تغييرا نوعيا في عقلية وسلوك المواطن الماليزي ورفع طموحه لتواكب طموح قيادته التي تؤمن بالعلم وتحترمه وتقدم العلماء والخبراء على غيرهم في كل المجالات الحيوية في الدولة, وتتبع المنهج العلمي في حل المشكلات وتطوير الحياة.
ويتبع>>>>>>>> : أصداء رحلة ماليزيا4
واقرأ أيضًا:
بوّاب العمارة / قاهر العفاريت