أصداء رحلة ماليزيا 3
التصنيع.. سر الازدهار الاقتصادي
كان المجتمع الماليزي مجتمعا زراعيا يعيش على زراعة النخيل لإنتاج الزيت وزراعة شجر المطاط، وكأي مجتمع زراعي تنتشر دائما القيم الزراعية مثل الصبر وطولة البال والرضى بالقليل وأحيانا الكسل وضعف الإحساس بالوقت والعزلة عن العالم الخارجي وقلة الطموح. ولكي تحدث النقلة من هذا المجتمع الزراعي بقيمه وعاداته كان لابد من نظام تعليمي يحدث نقلة نوعية في المواطن الماليزي ليكون ملائما للنقلة الهامة نحو مجتمع الصناعة.
وعملت الحكومة على إحداث نهضة صناعية كبرى حيث شجعت الصناعات ذات التقنية العالية كما عملت على التصنيع في الأسمنت والحديد والصلب، وتصنيع السيارة الماليزية (بريتون)، ثم التوسع في صناعة النسيج وصناعة الإلكترونيات والتي صارت تساهم بثلثي القيمة المضافة للقطاع الصناعي وتستوعب 40 % من العمالة.
ولحدوث هذه النهضة الصناعية الكبرى كان لابد من تغيير التشريعات العتيقة القائمة، وإحداث حالة من الانفتاح على العالم الخارجي وتسهيل دخول الاستثمارات الأجنبية وإعطاء تسهيلات للشركات الأجنبية من خلال إنشاء منطقة صناعية حرة وإعفاء المشروعات الصناعية من الضرائب لمدة خمس سنوات، وإذا كان المشروع ناجحا ويستوعب عدد كبير من العمالة يمتد الإعفاء الضريبي لمدة عشر سنوات.
وكانت التجربة اليابانية هي القدوة للتجربة الماليزية، ومن هنا تم تسهيل استقدام الشركات اليابانية لتصنيع منتجاتها في ماليزيا حيث الأيدي العاملة متوفرة ورخيصة وحيث الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الكبيرة، وبعد عدة سنوات اكتسب العمال والفنيين الماليزيين خبرات تقنية هائلة جعلتهم قادرين على إنشاء مشروعاتهم الصناعية بشكل مستقل بعد أن حصلوا على الخبرة من كافة الشركات متعددة الجنسيات.
وفي فترة ولاية مهاتير محمد تحققت طفرة ملحوظة في مشروعات الاتصالات والمعلومات التي كانت تحظى باهتمام ودعم حكومته كعنصر مهم من عناصر خطته التنموية، وكان يسميه "الاقتصاد المعرفي"، وبالفعل أصبحت ماليزيا محطة إقليمية وعالمية في مجال صناعة الاتصالات والمعلومات والإنترنت.
وكان اختيار النموذج الياباني كمثال وقدوة لماليزيا بسبب التشابه الكبير بين البلدين من حيث قلة الموارد الطبيعية وتركيز اليابان على العنصر البشري وتنمية مهاراته بجانب حرصها على الجانب الخلقي وإعلاء قيم العمل الجماعي وأهمية الانتماء للوطن والعمل على رفعته.
لم يلجأ مهاتير محمد إلى الاقتراض أو التسول من الدول الأخرى أو من صندوق النقد الدولي، ولم يلجأ إلى الجباية أو فرض الضرائب أو ابتزاز رجال الأعمال، وإنما كان مبدعا في ابتكار وسائل اقتصادية جذبت استثمارات هائلة لبلاده نظرا لثقة دول العالم فيه ونظرا لاستقرار مجال الاستثمار ولحالة السلام الاجتماعي السائدة في البلاد.
وارتفعت الصادرات من 5 مليارات دولار في بداية عهد مهاتير محمد إلى أكثر من 520 مليار دولار سنويا في نهاية عهده، وتحولت ماليزيا من دولة زراعية إلى دولة متقدمة يمثل ناتج قطاعي الصناعة والخدمات فيها 90 % من ناتجها الإجمالي، وتضاعف دخل الفرد السنوي في ماليزيا سبع مرات ليصبح 8862 دولارا في عام 2002، وانخفضت البطالة إلى 3 %، والواقعون تحت خط الفقر أصبحوا 5 % من السكان بعد أن كانت نسبتهم 52 %
ويتبع>>>>>>>> : أصداء رحلة ماليزيا5
واقرأ أيضًا:
بوّاب العمارة / قاهر العفاريت