يشهد عالم اليوم أزمة عقائدية وسياسية مع انتهاء عام 2016 وإسدال الستار على نتائج الانتخابات الأمريكية والوصول إلى استنتاج حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. يشهد العالم العربي صراعات دموية والكثير يتوقع احتمال نهايتها بشكل أو آخر. هناك العراق يسعى إلى تحرير أراضيه والعالم ينتظر نهاية الحرب السورية ووقف سفك الدماء في اليمن. لا يزال الاتحاد الأوربي يعاني من مشاكل عدة بسبب عملته السامة والصين تتنظر تراجعا في النمو الاقتصادي. رغم عافية الديمقراطية في الهند ولكن التطرف الهندوسي المقنع يلقي شباكه في كل مكان. رجع تحالف الكنيسة الروسية الأرثوذكسية مع الكرملين إلى ما كان الحال عليه قبل الثورة البلشفية وحتى انتقاد قياصرة روسيا المقدسين أصبح جرما يعاقب عليه القانون.
لا يزال الشرق الأوسط يترنح من جراء حروب وأزمات محلية تحولت تدريجيا إلى صراع عقائدي إسلامي. تراجعت الديمقراطية إلى الخلف في تركيا ولا تزال عقيمة في طهران ولا وجود لها في العالم العربي أو لم تصل مرحلة البلوغ بعد.
الصراع في الشرق والغرب
العالم الغربي الليبرالي ينظر إلى الشرق ويضعه في إطار نضال من أجل الديمقراطية كخطوة أولى قبل اعتناقه العقيدة الليبرالية. أما الغرب فيتحدث عن النضال من أجل الحفاظ على الليبرالية ويشعر دوما بأنها في خطر في الولايات المتحدة وأوروبا لذلك يقول الكثير بأن الليبرالية تحركت نحو كندا هذه الأيام حيث يتزعمها رئيس وزراء لا يتحدث سوى عن العقيدة الليبرالية.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي يعني توقف حرية حركة اليد العاملة أو هزيمة الليبرالية الأوربية ولذلك لا توجد نهاية لوضع العقبات ضد خروج بريطانيا من أوربا، أما وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فهذا يعني نهاية العصر الليبرالي الجديد في أقوى دول العالم.
الليبرالية
ولدت الليبرالية مع فلسفة جون لوك في إنكلترا ووضع خطوطها العريضة في كتابه "اثنان من الأطروحات" Two Treatises عام 1690. الطريق إلى الفلسفة الليبرالية كان مع الثورة المجيدة Glorious Revolution في بريطانيا عام 1688 ومر عبر عصر النهضة الأوربية والثورة الفرنسية والثورة الأمريكية. كانت فلسفة جون لوك تستند على أن شرعية الدولة تحتاج إلى قبول الشعب الذي تحكمه.
استعمال الليبرالية Liberalism اليوم وتعريفه كمصطلح سياسي بحت شعاره التركيز على حقوق الفرد وحريته مع ضمان من هو في الحكم لهذه الحقوق. الليبرالية أيضا فلسفة سياسية تعني بالحرية وهناك أيضاً الليبرالية الاجتماعية التي تركز على المساواة. من جراء البعد السياسي والاجتماعي للمصطلح ترى تعريفه يختلف من مكان إلى آخر ويتم وضعه على بعد اليمين واليسار السياسي.
في بريطانيا وأمريكا الشمالية يتم حصر الليبرالية ضمن اليسار السياسي. يرتبك استعمال المصطلح بأكمله في أمريكا مع الاشتراكية أحيانا. أما في بقية أنحاء القارة الأوربية فيتم وضع الليبرالية في قطب اليمين السياسي والسبب في ذلك يعود إلى تمسك هذه الأحزاب بالسوق الحر.
أما عمالقة الاقتصاد الجديد من كوكل وياهو وفيس بوك وغيرها فجميعها تتمسك بالليبرالية وتسعى إلى عولمتها وتؤمن هي أيضا بأهمية السوق الحر وحركة الأيد العاملة وبالتالي ولادة عالم اقتصادي بدون حدود. ولكن هناك مصطلحات كثيرة الارتباط بالليبرالية ومشتقة من نفس الكلمة اللاتينية Liber وتعني حر. المصطلح الأول هو التحررية Libertarianism وهي أيضا فلسفة سياسية تؤكد على حرية المواطن وقليل من التدخل بشؤونه من قبل السلطة. شعارهم عش أنت واترك الناس لتعيش أيضاً. ولد المصطلح في القرن الثامن عشر في النقاش الفلسفي حول الحتمية Determinism ويرتبك استعماله أيضاً مع الفوضوية ولكنه غير ذلك.
أما المصطلح الثاني فهو التحرر Libertinism ويتم ترجمته أحيانا إلى العربية بالفجور ويعني عدم المبالاة بالأخلاقية المجتمع وخاصة الجنسية منها، وهذا لا علاقة له بالليبرالية أيضاً.
يمكن الاستنتاج بأن استعمال مصطلح الليبرالية على الصعيد العالمي لا يستوعبه الكثير والجمهور يربطه مباشرة بالحرية. هذه الحرية لها أبعاد سياسية واجتماعية وتحررية ودينية واقتصادية يصعب الفصل بينها. قد تستوعب الناس وتفهم الديمقراطية ولكنها مرتبكة حول معنى الليبرالية والتحرر والتحررية وأصبحت مرتبطة إلى حد ما مع الديمقراطية وأهم منها.
المؤسسات العالمية والسياسة
الليبرالية هي عقيدة المؤسسات العالمية الكبرى التي تسعى إلى ترسيخ نظام اقتصادي بلا حدود لتحرك الإنتاج الاقتصادي واليد العاملة ويصاحب ذلك جميع الأبعاد الأخرى التي تعرف الليبرالية الحديثة.
التحديات التي تواجه المد الليبرالي المعاصر هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي واحتمال وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لا يستطيع أحد أن يراهن على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي واحتمال عرقلة مجلس العموم لهذه الخطوة والحكومة إلى الآن لم تعلن استعمال المادة رقم 50 من الدستور الأوربي لبداية العملية رغم مرور ما يقارب ستة أشهر على تصويت الشعب للاستقلال من أوروبا.
المؤسسات العالمية جميعها مناهضة لوصل المتطرف الجمهوري إلى البيت الأبيض وتسعى إلى دعم هيلاري كلنتون للوصول إلى الرئاسة رغم أن أدائها الإداري السابق لا يؤهلها لتشغل منصب موظف بسيط في أية دائرة حكومية.
أما العالم العربي فعليه أن ينتظر رحمة المؤسسات الليبرالية بعد أن يحسم أمره في الشرط الأول للدخول إلى المنظومة الحضارية العالمية يوم يعتنق الديمقراطية.
واقرأ أيضاً:
متلازمة التعب المزمن Chronic Fatigue Syndrome / أنفلونزا هذا الشتاء المناعة الطبيعية والصناعية