٠ اضطـراب الوسواس القهري هو الاضطراب الرئيسي والأشهر من اضطرابات الطيف الوسواسي، وهو مرض نفسي يتميز بتسلط فكرة (أو صورة أو نزوة أو رغبة أو شعور) معينة على العقل (كالشك المتكرر في انتقاض الوضوء أو نظافة اليد أو إغلاق الباب)، ويصاحب ذلك تكرار فعل معين بدون داع (مثل تكرار الوضوء لعدة مرات متتاليةأو تكرار الغسيل أو التحقق من غلق الباب) مع أن المريض يدرك تماماً ما يفعله بل وأحيانا يحس بأنه لا لزوم لتكرار هذا الفعل ولكنه يجد نفسه مدفوعا لتكراره.
ويتميز مرض الوسواس القهري بعرضين رئيسين هما الوساوس والقهور (أو الأفعال القهرية):
ومن أشهر الوساوس التي تسيطر على الإنسان:
1- الشك في الطهارة أو نظافة الأشياء (ويأخذ في مجتمعاتنا مقارنة بالمجتمعات الغربية شكل الشك في الطهارة والخوف من النجاسة أي أن الصورة الشائعة في مجتمعاتنا هي طهارة/نجاسة أكثر من كونها نظافة/قذارة).
2- الإحساس بعدم الاكتمال والرغبة بالتالي في الإعادة أو التكرار ومن الأمثلة هنا الوسوسة في تكبيرة الإحرام بتكرارها أو غير ذلك من وساوس الصلاة المرتبطة بالإعادة أو التكرار وكذلك تكرار الغسيل.
3- الشك في نسيان أمر ما أو فعلٍ ما أو فقدان شيء أو شخص، مثلا الشك في ثبوت النية للصلاة.... والشك في أنه قرأ الفاتحة أو أحسن قراءتها أو الشك في أنه فعل شيئا يعرف أنه لم يفعله ... وهكذا ... والشك في أنه أكل أو شرب بينما هو صائم، رغم علمه بأن أكل أو شرب الناسي في رمضان لا يفسد الصوم إلا أنه يظل يسأل نفسه والمحيطين هل رأيتموني شربت؟ هل رأيتموني أكلت؟
4- حب الالتزام بنظام معين وعدم تغييره مهما كانت الظروف.... كالجلوس على كرسي معين في وقتٍ معينٍ من اليوم لشرب الشاي.. وكذلك التعلق أو التطلع الدائم إلى التماثل أو التناظر (بين اليمين واليسار مثلا)
5- فرط الخوف من ارتكاب الجرائم العدوانية على الآخرين أو الذنوب والمعاصي، ومن أشهر أشكالها في مجتمعاتنا الوساوس الكفرية مثل سب الذات الإلهية أو التجرؤ على المقدسات بشكل عام، وفي خلفية الشخص المعرفية هنا شعور متضخم بالذنب والمسؤولية، فمثلا هو نجسٌ دائما لأنه مارس العادة السرية في نهار رمضان وكل شخص أو أي شيء سيلمسه يصبح بالتبعية نجسا...
6- هناك من يشك أنه دهس أحدهم بالسيارة في الطريق الذي مر منه لتوه ويشعر بالرغبة الملحة في أن يعود لذلك الطريق ليتأكد رغم معرفته بأنه لم يدهس أحدا..... وهناك أيضًا من يوسوس في أنه طلق زوجته أو أن الطلاق وقع وهو لا يقصده لمجرد أنه طرأت على وعيه فكرة الطلاق أو تلفظ بحروفها في كلامه...
7- كثرة التفكير في الأمور المتعلقة بالدين... وغالبا ما يأخذُ التفكير هنا شكلا اجتراريا فالفكرة تولد فكرة والتساؤل يطرح عدة تساؤلات وهكذا فإما أن يأخذ الأمر شكل التفكير المفرط في الغيبيات المتعلقة بالدين أو شكل الاستفتاء المتكرر في الحلال والحرام أو الأحكام عامة.
8- كثرة التفكير في الأمور المتعلقة بالجنس..... والتفكير هنا غير ممتع وإنما يتسم عادة بمشاعر الذنب أو بالآثار المترتبة على الفعل الجنسي فمثلا (أي شيء ألمسه بعد العادة السرية يصبح نجسا إذن أنا أنجس البيت، أو أن أمي أو أختي غالبا ستصبح حاملا لأنها دخلت الحمام بعدي وكنت مارست العادة السرية)... كذلك ربما تأخذ شكل التفكير في العقاب الذي سيقع على الشخص لأنه يتخيل مشاهد جنسية أو يمارس العادة السرية مثلما نرى الخوف الوسواسي على البكارة في معظم البنات العربيات.
9- الصور العقلية التسلطية (الصور الوسواسية) هي إحدى أشكال الوساوس التي يعاني منها مرضى الوسواس القهري، وتعتبر من أكثر الأعراض إزعاجا لصاحبها، فغالبا تكون الصورة العقلية التسلطية قد ارتبطت بشكل أو بآخر بمعنى أو مفهوم مقدس لدى صاحبها فوقع في فخ الارتباط القهري وصار يستنتج من معاني الصورة الأسوأ احتمالا ويربط بها الأسوأ احتمالا فمثلا إذا عانت إحداهن من صورة عقلية تسلطية لوجه ابنتها وهي تذبحها بالسكين فإن الأثر الجلل في نفسها يعادل حدوث ذلك واقعيا وليس كصورة عقلية فقط، أي أنها تشعر وكأنها ذبحت ابنتها بالفعل أو تذبحها الآن أو ستفعل، ولنا أن نتخيل أثر ذلك عليها كأم.
ومن أشهر القهور:
1- تكرار الوضوء أو غسيل الأشياء أو الأيدي لمرات عديدة متتالية على الرغم من نظافتها أو طهارتها الظاهرة، أو تكرار الفرض أو تكبيرة الإحرام أو القراءة في الصلاة... إلخ.
2- تكرار التأكد من غلق النوافذ والأقفال وغلق مفتاح الغاز وفصل المكواة والاطمئنان على وجود الأطفال حتى أن المريض أحياناً يعود بعد الخروج إلى الشارع للاطمئنان مرة أخرى مما يتسبب في تعطيل مواعيده، وهناك الأم التي تشك في عذرية طفلتها كلما غابت البنت عن عينيها مع أي ذكر حتى ولو كان من أقرب ذكور العائلة.
3- التنظيم والترتيب القهري.
4- العد القهري تكرار العد حتى رقم معين لعدة مرات أو الرغبة المتكررة في لمس شيء معين لعددٍ معين من المرات.
5- عمل الجداول بكثرة وكتابة قائمة بالأشياء حتى وإن كانت غير مهمة.
متى يبدأ الوسواس القهرى؟
معدل الانتشار : حوالي 1 من كل 50 من الناس يعانون في مرحلة ما من حياتهم من الوسواس القهري، رجالا ونساء على حد سواء. وكمرض في البالغين يبدأ الوسواس القهري عادة بعد البلوغ أو في أوائل العشرينات.
الأعراض يمكن أن تأتي وتذهب مع الوقت، لكن غالبا المرضى الذين يعانون من الوسواس القهري لا يلتمسون المساعدة لسنوات عديدة.
ما هو المآل دون مساعدة أو علاج؟
كثير من المصابين بشكل معتدل من المرض يتحسنون دون علاج.
هذا لا يحدث عادة بين الحالات المتوسطة والشديدة رغم أنه قد تأتي أوقات يبدو فيها أن الأعراض تختفي.
بعض المرضى تزداد حالاتهم ببطء سوءا، بينما في غيرهم تزداد الأعراض سوءا فقط عندما يمرون بشدة أو يكتئبون. العلاج عادة يساعد.
ما أسباب مرض الوسواس القهرى؟
الجينات: الوسواس القهري أحيانا يورث، بحيث يمكن أحيانا أن يستمر في الأسرة، وهناك ما يشير إلى وجود خصائص بيوعصبية Neurobiological معينة في الدوائر العصبية للمرضى.
الكروب: الأحداث الكربية في الحياة تسبب الإصابة في واحدة من كل 3 حالات.
تغييرات الحياة: حينما يتحتم عليك فجأة أن تتحمل المزيد من المسؤولية على سبيل المثال، سن البلوغ، ولادة طفل جديد، أو عمل جديد.
تغيرات كيمياء المخ: يشيع على ألسنة الأطباء أن سبب الأمراض النفسية هو وجود تغيرات في كيمياء المخ.... ورغم صحة وجود تلك التغيرات إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة فنحن لا نعرف على وجه الدقة ما هي أسباب هذا الخلل ولا نعرف ما إذا كان سببا أصليا أو نتيجة لسبب لا نعرفه. لكنك إذا كانت لديك أعراض المرض لأكثر من فترة قصيرة، فصحيح أن هناك خللا كيميائىا لديك في المخ بمادة السيروتونين، والعقار يصححه.
الشخصية: إذا كنت شخصا منظما ودقيقا ومنهجيا ذا قيم عالية فقد تكون أكثر احتمالا للإصابة بمرض الوسواس القهري. هذه الصفات عادة مفيدة، لكنها قد تنزلق إلى المرض إذا أصبحت شديدة جدا.
طرق التفكير: تقريبا كل منا أحيانا تأتيه أفكار أو صور غريبة مزعجة "ماذا إذا قفزت أمام تلك السياره؟" أو "قد أسبب ضررا لطفلي". معظمنا يصرف هذه الأفكار بسرعة ويساير الحياة. لكن كلما كانت المعايير الأخلاقية رفيعة والإحساس بالمسؤولية أكبر، كان الشخص أكثر عرضة لأن يستبشع هذه الأفكار. فيحاول طردها وربما ينجح! لكنه يبقى يتوجس من عودتها، وهو ما يجعلها من الأرجح أن تعود.
ماذا يجعل الوساوس تستمر؟
من الغريب أن بعض السبل التي يمكن أن تساعد بها نفسك يمكنها أن تساعد على استمرار الوسواس!!: مثلا
1- محاولة إبعاد الأفكار المؤذية عن ذهنك – .... هذا السبيل عادة ما يجعل الأفكار تعود. حاول ألا تفكر في أي أوهام لمدة دقيقة ربما ستجد صعوبة في التفكير في أي شيء آخر.
2- الطقوس، الفحص، والتحاشي وطلب الطمأنة كلها سوف تخفض من القلق فترة قصيرة - لا سيما إذا شعرت أن هذا قد يمنع حدوث أمر مروع.... ولكن كل مرة تقوم بها، تعزز اقتناعك بأن تكرارها يبطل الأمور السيئة. وهكذا تشعر أنك دائما مضطر أن تقوم بها.
3- التفكير التحييدي إذا كنت تقضي وقتا ''تصحح" فكرة مقلقة بفكرة أخرى (مثلا العد إلى عشرة) أو صورة (مثلا أن ترى شخصا على قيد الحياة وبصحة جيدة) ثم تتوقف، وتنتظر حتى يختفي القلق.
تأثير مريض الوسواس القهري على الأسرة:
فضلا عن الاستهلاك المفرط للوقت، تعاني أسرة مريض الوسواس القهري من الإحباط نتيجة الفشل في مساعدته رغم كل محاولاتهم، ومن عدم المشاركة في المناسبات العائلية: بسبب العجز عن الصحبة، إضافة إلى التوجس بشأن كيف ستكون حياة المريض؟، ولوم الذات (ويخففه ما يشير إلى كونه اضطرابا بيولوجي الأساس) وأخيرا الغضب والاستياء وإلقاء اللوم على آخرين.
علاج الوسواس القهري
العلاج العقاري:
- عقاقير الم.ا.س (مثبطات استرجاع السيروتونين) والم.ا.س.ا (مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية) وتتميز الأخيرة بقلة آثارها الجانبية المزعجة مقارنة بعقاقير الم.ا.س الكلاسيكية لعلاج الوسواس.... لكن على المريض الصبر أسابيع قد تصل 12 أسبوعا حتى يبدأ التحسن، وعليه عدم إيقاف العقار دون أمر الطبيب.
العلاج السلوكي المعرفي ع.س.م CBT:
طريقة علاج تعتمد على تغيير طريقة التعامل مع الوساوس بحيث يعرض المريض نفسه لما يثير الوساوس بدلا من تجنبه ثم يتعلم كيف يستجيب له دون اللجوء إلى الفعل القهري وتعرف تلك الطريقة بالتعرض ومنع الاستجابة إذا اهتمت بالتعديل السلوكي فقط وبالتجارب السلوكية إذا اهتمت بالجانب المعرفي أيضًا.
ملحوظة : أعدت هذه المطوية ضمن مهام شعبة اضطرابات الطيف الوسواسي وعاونني فيها المستشار د. يوسف مسلم من الأردن.... وحين طبعت ووزعت في حقائب المؤتمر لم تشمل الصورة التي كنت وضعتها مثالا لحلقة الوسواس القهري المفرغة.
واقرأ أيضاً:
لماذا الوسواس القهري أسباب الوسوسة القهرية4 / منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري (11)