الحضارة تعكس الثقافة، فالحضارة مرآة ثقافات الأمم والشعوب، وبتنوع الثقافات تتنوع الحضارات، فالبشر يسكب ما فيه في أوعية محيطه، فالذات والموضوع متفاعلان ومتعاكسان، ولا يمكن الفصل بينهما، أو التوهم بأنهما متناقضان. والثقافة السلبية تلد حضارة سلبية، والأفكار السوداء تصنع وجودا أسودا. فثقافة القتل تدفع للقتل، والعقائد المتعفنة في دياجير البشر تتسبب في إنشاء صيرورات متعفنة في واقعه الذي يتعفن فيه.
وما يجري في المجتمعات المُعطلة يعكس ما تحتويه من الثقافات، وما تختزنه من السلبيات وتعبر عنه من الأفكار السيئة والتصورات النتنة، التي تريد ترجمتها في زمن يرفضها ولا يقر بها. فالأفكار المؤدينة الحمقاء تؤدي إلى تداعيات العدوان وسفك الدماء وتدمير العمران، والقضاء على الإنسان كفرد ومجتمع وصيرورة كيانية ذات قيمة آدمية.
وبإنتشار هذه الأفكار الموتية الفنائية يتحقق في الواقع الذي تترعرع فيه ما يشير إلى دورها المؤثر في الخراب والدمار الشامل المتوافق مع محتوياتها ومنطلقاتها الشنعاء. ولهذا فأن المتوقع من مجتمع تسود فيه ثقافات الموت والكراهية والبغضاء، أن يكون الفعل متناغما مع المحتوى الفاعل في الرؤوس والنفوس، والذي يساهم في تجسيد المعاني الكامنة فيه.
ولكي يتم بناء الحضارة المعاصرة لابد للمجتمعات أن تمتلك أفكارا معاصرة ومتفاعلة مع زمانها ومكانها، وأن تتخلى عن المطمورات السوداوية الخاوية التي لا تؤمن بالزمان والمكان، وإنما تعتقله في زنزانة تصوراتها وتداعياتها السلبية المتجهة نحو البلاء والفناء.
وكما هو واضح فإن الذي يتحقق في واقع العديد من المجتمعات، إنما يعكس ما ترسب فيها من الأفكار الموتية والتطلعات الغبراء المتمترسة في خنادق الأجداث، والتي تقرأ ما مضى وانقضى على أنه حي فاعل في رسم خارطة أيامها، وهي تستلطف الإرتهان به والضياع في متاهاته، لكي توهم نفسها بأنها قد انتصرت في الحياة، وإمتلكت مصيرها المطلق. ولن تقوم قائمة لمجتمعات تتصفد في الماضيات الباليات الخاويات، إن لم تستيقظ وتبصر أنوار عصرها، فإنها ستؤول إلى عصف مأكول، وتلك سنة كون يدور ولا يتعب!!
"وتلك الأيام نداولها بين الناس" آل عمران 140
واقرأ أيضاً:
مَن استقوى بغيره يشقى بخيره!! / للكلبة مَنطِق!! / الأمور ستتعقد وتتطور!!