الشعبوية أصبح من أكثر المصطلحات تداولا هذه الأيام ومعناه باختصار مناشدة عموم الشعب أو الجماهير أو العامة من الشعب بدلاً من نخبة معينة منهم سواء كانت تلك النخبة هي الغنية أو المثقفة أو المتسلطة.
استعمال المصطلح سياسيا كثير الارتباط من مصطلح الفاشية والتطرف الوطني وتكثر الطبقة "المثقفة" الغربية هذه الأيام بوضعه في إطار اليمين المتطرف. رغم كل ذلك فإن جميع الأحزاب السياسية لا تتورع عن مناشدة عموم الشعب وإطلاق وعود جماهيرية من أجل الحصول على أصوات الناخبين.
ما هو تاريخ الحركة؟
الشعبوية كما نعرفها اليوم ولدت في الغرب الأوسط Mid-West للولايات المتحدة الأمريكية من قبل المزارعين وعمال السكة الحديدية ضد الاستغلال البشع لأصحاب رؤوس الأموال. كان أبطالهم في واشنطن وليم جينيغر براين وتيدي روزفلت. عظم شأنها في العشرينيات والثلاثينيات في ألمانيا وإيطاليا وأمريكا وفرنسا أيام أزماتها في الجزائر. انتهى أمرها تدريجيا بعد الحرب العالمية الثانية وولدت ثانية بعد الانتكاسة الاقتصادية العالمية عام 2008.
ولكن الحقيقة غير ذلك؟
الشعبوية ليست إلى يمين الحركات السياسية فقط ومنها ما هو على اليسار. تجمعهم ميزة واحدة وهي تأليبهم الشعب ضد النخبة الحاكمة أو المتسلطة على أمور البلاد. يتحدون بشكوكهم من المؤسسات التقليدية وقاعدتهم العامة:
1- فساد الدولة بسبب خضوعهم لنخبة معينة من الشعب.
2- عدم إدراك النخبة الحاكمة لمطالب الجماهير بسبب ولعهم بالتكنولوجيا وشعورهم بالعظمة.
ما الذي يحدث في الغرب؟
1- صوتت بريطانيا ضد الاتحاد الأوربي على خلفية برنامج حزب استقلال المملكة المتحدة UKIP.
2- وصل دونالد ترامب إلى البيض الأبيض على برنامج شعبوي بحت.
3- صوتت إيطاليا أمس ضد برنامج زعيمها الليبرالي. من الصعب أن تضع الحركة الشعبوية الإيطالية على اليمين أو اليسار إلا أنها ضد كل شيء.
4- شعبية الحزب الديمقراطي اليميني وبرنامجه الشعبوي في السويد في تصاعد مستمر.
5- شعبية الحزب اليساري الأسباني Podemos الشعبوي في تصاعد مستمر أيضاً.
6- سيصل الإليزيه العام المقبل يميني شعبوي إن لم يكن متطرفا على أقل تقدير.
وهناك النمسا وهنغاريا وغيرها.
ما هو الفرق بين اليمين الشعبوي واليسار الشعبوي؟
اليمين يركز على الطبقة المتوسطة المحركة لاقتصاد البلد وتهميشها من قبل المهاجرين من جهة والعاطلين عن العمل من جهة أخرى الذين يتقاضون مساعدات لا نهاية لها من الدولة.
أما اليسار الشعبوي فيركز على هضم حقوق الشعب ويحرص على حشد جهودها ضد النخبة المتميزة كما هو الحال في اسكتلندا وأسبانيا.
ما هي مشكلة الاتحاد الأوربي؟
الاتحاد الأوربي يحتضن الليبرالية ولا يبالي كثيرا بالديمقراطية ولا يعير أهمية لأي استفتاء في بلد. يمكن أن تسميه بالمتعجرف السياسي الأول في العالم الحر.
ماذا عن الوطن العربي؟
توجه العالم العربي منذ أكثر من 50 عاما نحو الوحدة القومية العربية والحرية ووضع جانبا المطالب الجماهيرية. ضعف التوجه القومي وتم استبداله بالوحدة الدينية ولكن نجاح هذا التوجه لم يكن أفضل من التوجه القومي. هذه الأيام نرى بأن التوجه الشعبوي في غاية الوضوح وكل قطر يعني بمصالحه. أثارت مقولة وزير الخارجية المصري اهتمام الإعلام الغربي في وصفه للأقطار العربية الأخرى بأنها قبائل بأعلام واعتبروه علامة طلاق مصر من العالم العربي، ولكن التوجه الشعبوي لا يقتصر على مصر بصراحة وإنما تراه الآن في كل قطر عربي.
واقرأ أيضاً:
سيكولوجيا النهب من منظور علمي/ نظريات الثورات العربية ومقولة ابن خلدون 2012/ سوريا وربيع العرب تحت المجهر/ البحث عن قائد للشعب/ عالم حر أم سوق حر؟/ إرادة العراب في إدارة الأعراب/ التنظيم المؤسسي للشعوب العربية/ العراق بين قبضة إيران والميليشيات الشيعية/ عروبة اللامبالاة