متلازمة عبادة المشاهير Celebrity Worship Syndrome
من عصر المأمون إلى يومنا هذا
الشهرة أو أن تكون مشهوراً ليست حالة طبيعية والحصول عليها بلا شك لا يعكس إلا فطنة من حصل عليها وصراعه في الطريق إلى هدفه. لكن الشهرة بحد ذاتها أمرها شديد هذه الأيام وقد تقطع صاحبها وتدمره بين ليلة وضحاها وخاصة في عالم اليوم. هناك من وصل القمة وجلس على عرش الشهرة والأمم وتغير حاله فجأة بعد تدخل الإعلام أو نشر قصة عبر عالم الفضاء.
ولكن الحصول على الشهرة لا يختلف كثيراً عن سعي الإنسان إلى القوة والتسلط والطريق إليها له ثلاثة أهداف:
١- التأثير على الآخرين.
٢- الحصول على إعجابهم.
٣- الحصول على احترامهم.
ومع الشهرة في القدم وهذه الأيام تعني أيضا الحصول على المال وعدم التردد في تبذيره من أجل التأثير على الآخرين والحصول على إعجابهم.
مقابل ذلك هناك الجمهور المعجب والمستهدف من المشهور. هناك من يعجب به وهناك من يصبح مولعاً به وهناك من هو أصبح مريضاً به.
من هذه البداية يبدأ الحديث عن سيدة الفن العربي أيام العصر العباسي.
سيرة عريب
لا أحد يجهل سيرة سيدة الفن العباسي "عريب" ويتم تدريسها في الكثير من الجامعات العريقة الغربية للاطلاع على الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية للعصر الذهبي للخلافة العباسية يوم كانت بغداد مركز الحضارة العالمية. لكن البعض لا ينصفها ويلقبها بمومس البلاط العباسي ولكن الأغلبية تصفها بأنها سيدة الغناء والشعر الغنائي العربي وكانت ملك الجماهير يومها ولم يملكها أحد. كذلك نرى في تاريخنا المعاصر بأن الراحلة أم كلثوم لم تكن ملك من ولدها بل ملك شعب مصر بل والعالم العربي.
ولدت عام ٧٩٧ ميلادية وفي منتصف عصر هارون الرشيد. يقال أنها ولدت لجارية من جواري جعفر البرمكي وبعد نكسة البرامكة تولت رعايتها امرأه نصرانية وباعتها وهي في عمر ٦ أعوام. من اشتراها حرص على تعليمها واكتشف مواهبها وأبدعت الحديث والشعر والتلحين والعزف على أكثر من آلة موسيقية. أنشدت أكثر من ألف أغنية كتبتها ولحنتها.
كانت مع الأمين وهي في عمر المراهقة واشتراها المأمون بـ ٥٠ ألف درهم وبعده المعتصم بـ ١٠٠ ألف درهم وأعتقها. عاشرت ٨ من خلفاء بني العباس وتوفت وعمرها ٩٢ عاماً وكان حرة وأم شعرها يعكس الحياة الاجتماعية والفكر الثقافي أيامها وولادة ما نسميه حركة أنثوية وكانت تقول: ما تحتاجه المرأة من الرجل هو أن يكون ذكراً ورائحته طيبة ولا أكثر من ذلك. لم تحب سوى خادما اسمه صالح المنذري وتزوجته سراً فنفاه المتوكل وحينها أنشدت:
أما الحبيب فقد مضى بالرغم مني لا الرضا!
أخطأت في تركي لمن لم ألق منه معوضا!!
أحسن معاملتها الواثق وقالت فيه:
أشكو إلى الله ما ألقى من الكمد حسبي بربي ولا أشكو إلى أحد
أين الزمان الذي قد كنت ناعمة... في ظله.. بدنوي منك يا سيدي
وأسأل الله ......منك يفرحني........ فقد كحلت جفون العين بالسهد
شوقا إليك وما تدري بما لقيت نفسي عليك وما بالقلب من كمد
ولكن هل كانت الناس يومها تمجد عريب؟
لا أحد يعلم ولكن لا يذكر سيرتها أحد إلا خيراً. من الصعب أن ترى مصدراً يقول لك بأن عريب كانت تُطارد من قبل الناس ولم تتعرض إلا للتوبيخ من قبل الخلفاء بين الحين والآخر بسبب شعرها وربما كان بيعها بأرقام خيالية لا يختلف تماما عن بيع وشراء المشاهير من لاعبي كرة القدم. هناك اتفاق تاريخي بأن سعرها كجارية كان رقماً قياسيا.
متلازمة عبادة المشاهير
مشاهير اليوم لا عد لهم ولا حصر بفضل الإنترنت والإعلام المتواصل ولا يقتصر على الفنانين ويشمل رجال السياسة والصحفيين وحتى رجال الدين. المصطلح أعلاه يعني إدمان الإنسان على متابعة أحد المشاهير يوميا ولا حديث له سوى ذلك.
ولكن هناك من هو معجب بما يقوله ويفعله هذا وذاك ولا يمكن نسميه إدماناً. ويتطور الأمر بالبعض إلى الإسراف في متابعتهم ويصبح ذلك فكرة حصارية أو وسواسية Obsessional والبعض منهم يصل الأمر به إلى الإصابة بوهام الحب Delusion of Love وأيضًا تسمى Erotomania. ولع ومتابعة المشاهير عموماً يتناسب عكسياً مع عافية الإنسان النفسية والعقلية.
تكثر ملاحظة متلازمة عبادة المشاهير في بعض المستضعفين الذين يعانون من صعوبات تعليمية وأعراض توحدية.
من الصعب أن نضيف متلازمة عبادة المشاهير إلى قائمة الاضطرابات النفسية فمحاولة الكثير لوضع الأعراض والعلامات لتشخيصها يكشف على أن ما يقارب الثلث من المراهقين وطلاب الجامعات لهم ولع بفنان أو آخر.
تكمن مشكلة مشاهير اليوم في أن شخصيات الكثير منهم تميل إلى النرجسية والشعور بالعظمة ويقلدهم الكثير من المستضعفين من البشر. تقليدهم في الملبس والسلوك لا يمكن فصله عن نوايا تجارية استهلاكية.
الاستنتاج
بدلاً من تشخيص متلازمة غير متفق عليها في المريض يستحسن تصنيف ولعه بالمشهور كفكرة قد تكون:
١- طبيعية تتوازى مع البعد الثقافي الاجتماعي.
٢- حصارية (وسواسية).
٣- وهامية.
ذلك أفضل بكثير من تشخيص المتلازمة بحد ذاتها.
وأختتم الحديث في شعر ولحن لعريب تقول فيه:
هل للشباب الذي قد فات من طلبِ أم ليس غابره الماضي بمُنقلبِ
دع البكاء على ما فات من طلب فالدهر يأتي بألوان من العجب
المصادر:
1- McCutcheon L, Ashe D, Houran J, Maltby J(2003). A cognitive Profile of Individuals who tend to worship celebrities. The Journal of Psychology 137(4): 309-322.
2- McCutcheon L, Lange R, Horan J(2002). Conceptualization and measurement of celebrity worship. B J Psychology 93: 67-87.
3- Meloy R, Sheridan L, Hoffmann J, ed.(2008). Stalking, Threatening, and Attacking Public Figures: A Psychological and behavioural Analysis. Oxford University press. Oxford
واقرأ أيضًا:
لماذا يتدلل نجوم ومشاهير العرب: رؤية نفسية؟ / التوبة والاحترام للمشاهير فقط (م) / وسواس الحب في بلاد الجزائر م
التعليق: ممكن واحد يعلمني كيف أطرح سؤال في هذا الموقع وأين أجد الإجابة وكيف تصلني وأقرأها ؟؟