التثاؤب غير المرتبط بالنعاس هو أحد الآثار الجانبية الشهيرة لعقاقير الم.ا.س.ا SSRIs والم.ا.س SRIs، وله في ثقافتنا معنى خاص، بما يستدعي أن يكون الطبيب النفساني واعيا بأبعاد هذا الموضوع، ونفس الكلام ينطبق على تثبيط الإرجاز أو منع أو تقليل مرات حدوث الاحتلام، ولكننا في هذا المقال سنكتفي بالحديث عن التثاؤب.
يعتبر التثاؤب في علم الأحياء أحد المنعكسات النمطية اللاإرادية Involuntary Stereotyped Reflex ورغم كونه خبرة بشرية تكاد تكون عامة استجابة للنعاس أو نقص سكر الدم Hypoglycemia أو للجوع، إلا أن آلية حدوثه ما تزال معقدة وغير مفهومة إلى حد كبير مثلها مثل النوم والأحلام. وهناك عدد من الفرضيات التي لم تلبث أن فشل أصحابها في إثباتها، فرغم معرفة عدة مناطق مخية لها دور في التثاؤب وهي النواة مجاورة البطين Paraventricular Nucleus والحصين Hippocampus والجسر Pons والنخاع المستطيل Medulla Oblongata ورغم معرفة أن عددا من الناقلات العصبية والهضميدات العصبية Neuropeptides ، كالسيروتونين، والدوبامين، وأستيل كولين، وأكسيد النيتريك، وكذلك الأحماض الأمينية الإثارية Excitatory Amino Acids ، والهرمون المُنَمي لقِشْر الكُظْر ACTH وأخيرا وليس آخرا هرمون الأوكسيتوسين Oxytocin أو ما يسمى بهرمون الحب (Collins, & Eguibar, 2010) معروف أن كل هذه المفرزات العصبية لها دور ما في التثاؤب (Argiolas, & Melis, 1998) إلا أن تضاربا في نتائج الأبحاث فيما يخص دورا معينا لأي من المناطق أو الباحات المخية أو الناقلات والهضميدات والهرمونات العصبية.
وأيضًا رغم كل ذلك ما تزال أسئلة من نوع لماذا يحدث التثاؤب؟ أو ما وظيفة التثاؤب؟ لماذا ينشعنا حدوث التثاؤب؟ وكذا لماذا ينتقل التثاؤب بسهولة من شخص إلى المحيطين به؟ لماذا هو معدٍ أو انتقالي ليس فقط بين بني البشر (حتى ضرب به العرب المثل في سرعة العدوى قائلين "أعدى من الثوباء") بل هو أحيانا تنتقل عدواه بين أنواع مختلفة من المخلوقات؟ لا توجد إجابات علمية مؤكدة حول أي من هذه الأسئلة.
التثاؤب طبقا للويكيبديا العربية على الإنترنت "عمل لا إرادي الهدف منه ملء الرئتين بالهواء إلى أقصى حد. للقيام به يفتح الشخص فاه بشدة لدرجة يكون فيها حجم فتحة البلعوم أكبر بأربع مرات من حجمها في الأوقات العادية، ويستمر التثاؤب لحوالي (6) ثوان تتقلص فيهما عضلات الوجه والرقبة، ويصاحبهما إغلاق للعينين. خلال ذلك تتوقف جميع المعلومات الحسية لفترة من الوقت تكفي لعزل الشخص عن عالمه تبعا لمدة التثاؤب. كما يشير التصوير باستخدام التخطيط التصواتي للأجنة، كشف أن الجنين يتثاءب بشدة، حتى يكاد المشاهد يتخيل أن فكيه سوف ينفصلان عن بعضهما، رغم أنه لا يتنفس عبر الرئتين".
وعادة ما يحدث التثاؤب عند النعاس، أو لحظة اقتراب موعد النوم، أو ربما ساعة الاستيقاظ، وكذا لحظة الشعور بالضجر أو القلق، وعند الاسترخاء، وأحيانا عند الشعور بالجوع، وعند التعب أو عدم القدرة على القيام بمجهود إضافي. وفضلا عن ما يصاحبه من تمطٍ أو تمطع أو تمطط للجسد عادة لا يكون لائقا اجتماعيا فإن التثاؤب مكروه اجتماعياً وغير مستحب أن يُرى الإنسانُ فاتحا فمه على مداه وينفث الهواء في وجوه الآخرين، ذلك أن التثاؤب يشير إلى الضجر.
وفيما يخص عقاقير علاج الوسواس فإن مرات التثاؤب العابرة هي أحد الآثار الجانبية الشهيرة خاصة في الأيام أو الأسابيع الأولى لاستخدام تلك العقاقير وحتى الأسبوع الثامن ... وليس التثاؤب هنا مرتبطا بالنعاس بل إنه يحدث حتى في العقاقير التي تشتهر بإحداثها للأرق خاصة في بداية استخدامها مثل عقار السيتالوبرام وعقار السيرترالين وكذلك الفلوكستين، وأحيانا ما يرتبط التثاؤب بحدوث إرجاز لاإرادي وإن كان ذلك نادرا، ورغم أن التثاؤب يحدث كأثر جانبي لبعض العقاقير التي تزيد من الدوبامين والمستخدمة في علاج مرض باركينسون وكذا العقاقير التي تزيد كلا من النورأدرينالين والسيروتونين من خلال تثبيط القبط أو استعادة الناقلين العصبيين من المشبك العصبي (Nayak, et al., 2011) وتسمى هذه العقاقير مثبطات استرجاع السيروتونين والنور أرينالين واختصارا "م.ا.س.ن" على غرار SNRIs ، إلا أن التثاؤب أوضح ما يكون بين متناولي عقاقير الم.اس.ا، كما تبين الخبرة العملية -فضلا عن تقارير الحالات- أن الحالات النادرة التي لا يتوقف التثاؤب فيها بعد أيام من حدوثه كأثر جانبي غالبا ما تتوقف نوبات التثاؤب بعد تقليل جرعة العقار، أو تغييره بآخر.
ومن الغريب أن التثاؤب كأثر جانبي عابر لعقاقير الم.ا.س.ا يلاحظ أكثر في مرضى اضطراب الوسواس القهري ومرضى اضطراب نتف الشعر وربما مرضى النهام العصابي Nervosa Bulimia (اللاتي يأكلن ثم يستقئن درءًا لزيادة الوزن) مقارنة بمرضى الاكتئاب حين يستخدمون نفس العقاقير، فهي في الأصل عقاقير علاج اكتئاب، إلا أن ما لابد من تأكيده هو أن حدوث التثاؤب كأثر جانبي معيق للعلاج بهذه العقاقير ليس شائعا للدرجة التي تشجع الباحثين على دراسته ولذلك ما زالت الأبحاث قليلة في مبحث علاقة عقاقير الم.ا.س.ا بالتثاؤب، وكل المعروف عن سبب التثاؤب معها هو نظرية مؤداها أن فرط تحفيز السيروتونين في المناطق المخية التي تتحكم في التثاؤب في البشر في بعض أو كل هذه مناطق المخ ربما يكون سبب التثاؤب المفرط مع عقاقير الم.اس.ا.
وأما لماذا نعتبر أثرا جانبيا لعقاقير علاج الوسواس القهري هو التثاؤب أمرا ذا معنى ثقافي خاص رغم حدوثه في أي إنسان مريض بغض النظر عن ثقافته، الحقيقة أن للتثاؤب كثيرا من المعاني والمفاهيم الثقافية الدينية عندنا نورد هنا بعض أمثلتها في حدود ما نعلم بعضها مفاهيم ومعتقدات شعبية وبعضها أحاديث للرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وشعورنا بأهمية ذلك نابع من تفاعلنا مع المرضى وأهليهم وهو ما يعني أن الطبيب النفساني يجب أن يكون عالما بالملاحظة التي قد تجيء على لسان المرضى أو ذويهم أو يلحظها هو نفسه:
1- التثاؤب من الشيطان
في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ" كما جاء في المفهم1، كما روى أبو داود من حديث أبى سعيد الخدري في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِك يَدَهُ عَلَى فِيِه، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ"2، قال الحافظ ابن حجر3 في (الفتح): وَمَنْ الْخَصَائِص النَّبَوِيَّة مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة في المفهم وَالْبُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ) مِنْ مُرْسَل يَزِيد بْن الْأَصَمِّ قَالَ: مَا تَثَاءَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ4؛ وَأَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ مِنْ طَرِيق مَسْلَمَةَ بْن عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان قَالَ: "مَا تَثَاءَبَ نَبِيّ قَطُّ"، وَوَقَعَ فِي (الشِّفَاء) لِابْنِ سَبْع أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَتَمَطَّى, لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَان, وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ورواه مسلم كذلك بلفظ: "التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ"؛ وللبخاري في (الأدب المفرد)5: "إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ". وعند الترمذي6: "فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يَقُولَنَّ : هَاهْ ، هَاهْ ؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ" صدق صلى الله عليه وسلم.
2- التثاؤب علامة على الحسد:
من الشائع على ألسنة الناس أن كثرة التثاؤب في الصلاة وعند استماع أو قراءة القرآن هي علامة على الحسد أو العين، لكنني لم أستطع الاهتداء إلى دليل شرعي يربط بين التثاؤب والحسد أو العين، إلا أن من المهم أن يخبر الطبيب النفساني المريض وأهله بإمكانية حدوث التثاؤب كأثر جانبي لعقار الم.ا.س أو الم.ا.س.ا خاصة إذا استشف منهم إمكانية لجوئهم إلى أحد الرقاة حتى لا يحدث خلط لا داعي له.
وأخيرا ألا يجوز لنا التساؤل عما يعنيه ارتباط عقاقير علاج الوسواس القهري والذي ترجع أعراضه في الأحاديث النبوية الشريفة إلى الشيطان، بآثار جانبية تتعلق بوظائف وخبرات إنسانية تأتي نسبتها إلى الشيطان أيضًا في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ ذكرنا منها التثاؤب والتمطع هنا ونفرد مقالا لعلاقة عقاقير الم.ا.س.ا بالإرجاز وبالاحتلام... ؟ هو فعلا تساؤل لعلنا يوما نجد الإجابة عليه.
المراجع:
1- Collins G.T., Eguibar J.R. (2010): Neurophamacology of yawning Front Neurol Neurosci 2010 ; 28 : 90-106
2- Argiolas, A., & Melis, M. R. (1998): The neuropharmacology of yawning. European journal of pharmacology, 343(1), 1-16.
3- Nayak R, Bhogale GS, Patil NM (2011): Venlafaxine and excessive yawning: is there any link? J Neuropsychiatry Clin Neurosci. 2011 Spring;23(2):E56-7.
[1]- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم : 9 / 375 .