الاستخراد من الخُردة وكما جاء في معجم المعاني، هي ما صَغُر وتفرق من الأمتعة، أو قطع المعادن الصغيرة، أو أدوات معدنية مختلفة، أو أشياء قديمة فقدت صلاحيتها ويمكن استعمالها من جديد في شكل ما، كقطع الحديد، وتاجر خردة: تاجر يتعامل في المخلفات المعدنية، والسكراب له معنى الخردة، وتسمى قطع النقود المعدنية بالخُردة أيضا.
والاستخراد يأتي بمعنى الاستهوان والاستضعاف والاستهلاك والتفريق وفقدان القيمة والدور المهم. وفي عالم القوة والسياسة، هناك دول وأمم وشعوب خردة، أو مُستخرَدة من قبل الآخرين الذين يحسبون أنفسهم الأقوياء المهيمنين. والدول المستخردة هي التي تستلطف الضعف والتبعية والإمعان بالانكسارية، والاعتماد على غيرها في تدبير شؤون حياتها. وهي دول تمتطيها دول وتسوقها إلى حيث تريد، وربما تبيعها خردة في مزادات الافتراس الغابي القائم في دنيا الذئاب والسباع المتسابغة.
والدول تتحول إلى خردة بإرادتها، عندما لا تحترم نفسها ولا تقدّر سيادتها وتستهين بوطنيتها ومواطنتها وهويتها، وتتنازل عن حق تقرير مصيرها وتنقاد للآخرين وتنفذ برامجهم ومصالحهم. فالاستخراد سلوك نابع من داخل المجتمعات يتم الاستثمار فيه من قبل المتربصين لها والطامعين فيها، ولا تلوم المجتمعات المستخردة إلا نفسها على ما وصلت إليه من رزاءة الأحوال.
والدول العربية تحولت إلى خردة بعدما قصمت ظهر وجودها العزيز وكرامتها الأبية، فتعاونت مع أعدائها لقتل العراق، فانكسر عمودها الفقري وتحطم رأسها القوي، وصارت دولا متسولة على قارعة دروب الويلات والتداعيات، بعد أن سمحت للمفترسين أن يستوطنوا ديارها وينطلقوا منها لتدمير بلاد العرب أوطاني.
ولا تزال بعض الدول العربية تستعذب دورها الاستخرادي وتنفذ أوامر القابضين على مصير الكراسي المتسلطة فيها، فهذه الدول مقبوض على سيادتها وثرواتها ولا تملك كراسيها إلا الطاعة والتنفيذ، وإلا ستلقى مصيرا أقسى من مصير الذين سبقوها وبعونها الكبير. فالعديد من الدول العربية مستخردة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، والتي منها تدّعي بأنها ثرية فهي على وهم لأن أموالها مقبوض عليها في بنوك الآخرين، ولا يمكنها أن تمسها إلا بشروط، وعليها أن تشتري بها أسلحة لقتل العرب وتدمير ديارهم.
أما الكراسي السرّاقة والنهابة التي يتوهم أصحابها بأنهم أصبحوا أثرياء بسرقتهم لأموال بلدانهم، فإنهم مرهونون تماما بما هرّبوه من الأموال، التي صارت بقبضة الآخرين الذين يتحكمون بمصيرهم، فهم في حقيقتهم لا يملكون شيئا ويتوهمون بأنهم بسرقة أموال دولهم سيعيشون برفاهية ورخاء، بينما الحقيقة المريرة تقول بأنهم سيعيشون بذل وهوان وارتهان مشين، ويطوّقون أعناقهم بالرذائل والخسران المبين.
وهكذا يتواصل سلوك الاستخراد في الدول التي يتوهم المستخردون فيها على أنهم ساسة وقادة، وهم الأذلاء المتأسدون على الأبرياء والمساكين، وما دامت آلية الاستخراد فاعلة وفتاكة، فإن أبناء الدول المستخردة أينما ذهبوا يُتظر إليهم على أنهم خردة، فالبشر الذي لا تكون له قيمة في وطنه ولا يصون كرامته وعزته مجتمعه الذي ترعرع فيه، لن يجد غير ذلك في أي مجتمع آخر يحل فيه، أما إذا حلّ في مجتمعات مفترسيه، فحدث ولا حرج.
ولن يأتي المُستخرَدون إلا بما هو خردة، ودام الاستخراد مذهبا عميدا !!
واقرأ أيضاً:
العلمانية دين!! / جورج أرويل 1984!! / سياسونَرية!! / السلوك العاصف والقرار القاصف!!