التوازنات العالمية تغيرت بالكامل بعد الحرب العالمية الثانية, فصارت أمريكا وروسيا على طرفي نقيض, وتقاسمت الإرادتان أوربا, التي صارت غربية وشرقية, وفقا للدول التابعة لهذا الطرف أو ذاك. ومن المعروف أن دول أوربا ذات تأريخ متوحش شرس فيما بينها, وعلى مرّ القرون مضت تتحارب حتى وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بتعاون أمريكا وروسيا.
ولم تستعدْ رشدها وتحافظ على تماسكها وتجنح للسلام, إلا بعد أن دخلت أمريكا كطرف قوي ومؤثر في الواقع الأوربي, وأنشأت حلف الناتو المتخصص بالدفاع عن الجميع, ومضت أوربا في مسيرتها نحو التفاعل الإيجابي, حتى حققت الاتحاد الأوربي الذي لا يتجاوز عمره بضعة عقود, وقد بدأت علامات تآكله وانهياره تلوح في أفق الربع الأول من القرن الجديد.
ويبدو أن الخصام المتواصل ما بين أمريكا وروسيا له تأثيراته الإيجابية على الواقع الأوربي, وكذلك الآسيوي, وأي تفارب أمريكي روسي يعني أن أوربا ستواجه مصيرها كما عهدته قبل الحرب العالمية الثانية. ومن هنا فإن أوربا ثارت ثائرتها عندما أدركت أن الإدارة الأمريكية الجديدة لها توجهات نحو التفاعل الإيجابي مع روسيا, ذلك أن هذا التقارب سيضرب أوربا بالصميم, وسيعطي الشرعية للمارد الروسي للقيام بما يريده ويستطيعه في القارة الأروبية, وخصوصا الجزء الشرقي منها, والذي كان منضويا تحت رايتها في زمن الاتحاد السوفياتي.
وعليه فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ستواجه ضغوطات ومعارضات ومقاومات وغيرها من التحديات, بسبب هذا النهج الذي ترتعش منه أوربا وتخشاه, فهي عاجزة عن مواجهة روسيا وتريد أن تكون معها قوة بحجم القوة الأمريكية, لكي تردع التطلعات والأطماع الروسية.
لكن الحقيقة الدامغة أن العالم عليه أن يتغير, وأنه لا يمكنه أن يمضي على ذات السكة إلى زمن أطول من الزمن الذي أمضاه على الحال القائم, والمتسبب بالعديد من المشاكل والصراعات ما بين القوتين, أو القوى المتخاصمة والمتحاربة في ديار الآخرين.
فلربما سيسود العالم السلام, وستتخلص المجتمعات المرهونة بهذه الصراعات من نواكبها وتداعياتها, وتتعلم مهارات الحياة بدلا من صناعة الموت ومشاريعه المدمرة للوجود بأجمعه.
فهل ستنجح الإدارة الأمريكية الجديدة في بناء الحياة العالمية السعيدة بتعاونها مع القوة الروسية, أم أن العالم سينحدر إلى متاهات الضياع, وهل ستدخل أمريكا وروسيا في حلف, وعند ذاك سيقف العالم على رؤوس أصابعه, فتحسب كل دولة فيه ألف حساب لأي خطوة أو مشروع أو قرار تريد الإقدام عليه.
قد يحصل هذا, وربما العكس يكون, ولنترقب الأيام, التي ستأتينا بما في أرحام المفاجآت!!
واقرأ أيضاً:
العدل أساس الملك!! / مصر العربية الكبرياء!! / دول بلا غيرة!! / يا حِماري!!