يا حِماري هل تحدثني عن أحوال القرن الحادي والعشرين، وها نحن ندور في أيام عامه السابع عشر، فهل أدركتَ صورة الآتي وما سيكون عليه الحال والمصير؟ واحتار حماري من السؤال، ورفع رأسه يبحث عن كلمات يسكبها في معدة الجواب.
فقال: ستة عشر سنة مضت في لجج الدمار والخراب والأجيج والثبور، ما بين خوف وأمن، وانقباض وانبساط، ومحق وتلاحق وقلق ورعب وتوجس وبهتان.
كذبٌ مسعور وضلالٌ دستور، وتآكل للخير وتفاقم للشرور، حتى صار البشر من أخطر أعداء البشر، بل تحول إلى قنبلة موقوتة فظيعة الانفجار.
فقر وجوع وكوارث متلاحقة وثراء كثير، وانهيارات فكرية وأخلاقية وثقافية واقتصادية وعسكرية متسارعة، لا قِبل للبشرية على التواكب معها، وتغيرات مناخية لا يحمد عقباها، حتى الأرض اهتزت وما ربت من شدة الذعر وتفاقم الأنين والاختناق بدخان الحسرات.
ومضى حماري يتمنطق بلغة القرن الحادي والعشرين، وكأنه ينثر أوراق الأيام على مائدة المحذور، وحسبته من عملاء ويكيليكس التي غيرت بعض مناهج النظر، ودقت أجراس الخطر في غرف أباطرة التفاعلات والقرارت ذات التوحش والتغطرس الرحيم.
وقال حماري : أن الأرض تدور وهي تعصر اليانع وتشرب عصير أثمار القدرات، وتطيح بالقوى والإمبراطوريات، ولا يمكن لقوي أن يبقى ولا لضعيف أن يدوم، وهي تجعل الظالم مظلوما والمظلوم من أقسى الظالمين، وبدورانها ينسحق البشر بالبشر، فيسكر التراب بالدماء وينتخم بأشلاء البشر.
وما دامت الأرض تدور، فإن التبدلات ستكون مفاجئة وسريعة كالبراكين الهائجة، ولا تعلم ماذا سيجلب كل صباح، وكيف ستتبدل الأحوال، وكلمحة البصر ستنهار عمارات المال والسلاح والسلام والطاقة، وستخرج من مكامنها عفاريت الانفجارات المروعة، التي لا قِبل لمخلوقات الطين على القبض عليها إلى أبعد من حين.
فالعفاريت ستنطلق، والويلات ستجتهد، ما دام السلاح وفيرا، فأسواقه ستنتشر ومردوداته ستكون ذات مجد كبير. وتوقف حماري ليلتقط بعض الحشائش ويجتر أفكاره ويراجع رؤاه قبل أن يتواصل معي في رحلة البحث في أشلاء القرن الحادي والعشرين. وأضاف بعد برهة استراحة: أن الذي جرى سيرسم خارطة ما سيجري، فتلك عقيدة القرون، حيث تحدد بداياتها ما ستؤول إليه نهاياتها وطبيعة مسيرتها في سلم العقود المتواكبة.
وبما أن الحروب دستور القرون وحجتها وديدنها، فإن حربا شعواء ستستعر، وسيلدها هذا العقد حتما، والحروب لا تحتاج إلا إلى فرد واحد يصاب بلوثتها ليتحقق الفناء السعيد. فأحداث الدنيا الكبيرة عبارة عن إنتاج فردي تستهلكه البشرية برغبة فائقة.
وبما أن الأرض قد تصاغر حجمها وانتُهك بدنها وما عادت أصقاعها بعيدة، وما يحصل في أية بقعة منها يؤثر على بدنها الذي انمحت معالمه الجغرافية والثقافية والسياسية. فالدنيا أصبحت كرة ضوئية أو إليكترونية يمكن تحريكها وفقا لإرادات متنوعة ومؤثرة في مصيرها الجمعي.
وتعجبت من حماري حينما قال: إن الدنيا ستمر بمراحل صعبة ما عرفتها في سابق العصور من كوارث طبيعية وسياسية وعسكرية وعلمية وثقافية لا تخطر على بال الخيال.
ويرى حماري بأن العلوم والمعارف والمبتكرات ستتحول إلى كوارث مرعبة، وسيكون الإنسان مكشوفا ومعروف ٌما فيه، ولا داعي لوضعه تحت أجهزة شعاعية لتعرية بدنه وما بين طيات هيكله العظمي.
وسيتحول البشر إلى وميض يرسم ما فيه على ورق الامتلاك والاستعباد والتدجين، وستكون الحرية محض هراء، لأن القدرات الجديدة ستجعل البشر عبارة عن كتلة طين يمكن منحها الشكل المطلوب وحسب.
وراح الحمار ينهق ويرفس وهو يشير إلى خوفه من أن أحفاده لن تجد بشرا تتفاعل معه، وتخدمه وتنقل متاعه، لأن البشر سيأكل البشر وينتحر في بعضه.
وأرعبني قول الحمار ومن شدة خوفي ضربته على ظهره ولعنته لسوء رأيه.
لكن الحمار أطلق صرخة مدوية من مؤخرته، وراح ينهق، وأدركت أنه قد اهتاج وغضب، وخشيت من رفسةٍ قاضية، فهربت متلاشيا في سراب العقود الآتية، وأنا أتأمل محاضرة الحمار الذي قرر الكلام والتوصية.
واقرأ أيضاً:
مصر العربية الكبرياء!! / دول بلا غيرة!! / أمريكا وروسيا وأوربا وآسيا؟!! / التحالف الأمريكي الروسي والعرب!!