نكتب بغضب وألم ورفض، لأن الآخرين يتدخلون في شؤوننا وما تساءلنا لماذا يتدخلون؟
إن قانون تفاعل القوى يحتم على الأقوياء التدخل في شؤون الضعفاء، لأن الأقوياء يريدون تقرير مصالحهم وتنامي قوتهم، ولا يمكن لأية قوة أن تبقى على الحياد إذا أصاب جارها الضعف والتمزق والانهيار. فلا توجد قوة مثالية في تأريخ البشرية، وإنما جميع القوى وعلى مدى التأريخ محكومة بقوانين الغاب. فلماذا تتدخل القوى الأخرى في شؤون العرب؟
لأن العرب ضعفاء، لا يمتلكون القدرات اللازمة لاستثمار ثرواتهم وتحقيق السيادة العربية الوطنية على نفطهم، وأية قوة في الأرض تتسابق نحو مصادر القوة والاقتدار وتسلبها من أصحابها الضعفاء، وهذا ما يجري في بلداننا.
وعندما نتساءل عن تدخل القوى المجاورة للعراق مثلا، يكون الجواب أكثر وضوحا، وخلاصته أن البلد صار في اضعف حالاته وأسوأ أحواله وأمرّ أيامه، ولابد للجارة القوية أن تجتاحه بكل ما أوتيت من وسائل الاجتياح وفنونه وأن تقبض على عنقه، فهي لا تريد غيرها أن يفوز بهذه الغنيمة الكبرى والسهلة المنال، كما أن قوانين انبعاج القِوى يدفع بها إلى الانسياح في أضعف جيرانها.
فلو كان البلد قويا، لما استطاعت أية قوة التدخل في شؤونه.
ويؤدي ما سبق إلى سؤال آخر مفاده لماذا ضعفت البلاد؟
البعض يقول بسبب تلك القوة أو هذه التي اجتاحته وغيرها من التبريرات، ولكن الواقع الدامغ يشير إلى أنها بعض الأسباب وليست جميعها، وربما يمكن القول بأن أكثر من نصف الأسباب وأقواها يكمن في العيوب المشينة، والأفكار المروعة البائدة التي تتحكم بالسلوك، فالمجتمع يعبر عن آليات الضعف والتفتت والضياع بقوة، واندفاع انتحاري لا مثيل له في تأريخ المجتمعات والشعوب.
فالاحتلالات لا تحقق ما تريده، إلا إذا تواطأ معها أبناء تلك المجتمعات. ولو كان المنطوق صحيحا لما بقي وجود لليابان وفيتنام والكوريتين وغيرها من الدول، التي أصابتها ويلات الحروب وكوارثها الهائلة.
وهذا يؤكد أن العيب في العقلية والذهنية وما يحتشد فيها من أفكار. فنحن نميل إلى الإمعان بالسلبيات، والتدمير الذاتي والموضوعي، لكل ما نمتلكه من القدرات والطاقات الحضارية.
فالحروب لا تضعف المجتمعات، بل تمنحها القوة والقدرة على استنهاض ما عندها من أسباب التحدي والبقاء والارتقاء. أما في واقعنا فإنها استنهضت فينا نوازع الشرور، ودوافع النفوس الأمارة بالسوء والبغضاء والكراهية والفساد.
الحرب جردتنا من معاني وجودنا الإنساني القوي، الحر المتفاعل، الساعي لتحقيق المصالح المشتركة.
الحرب مزقتنا، وحولتنا إلى أحزاب وفرق تريد الانفراد بالنفط والثروات.
الحرب حولتنا إلى ظالم ومظلوم، وقاهر ومقهور. وجميع الحروب التي تواجه مجتمعات الأرض، تدفعها إلى التوحد والتماسك، ورفع راية الوطن الواحدة، إلا الحرب في بلادنا فإنها أدت إلى رفع ما لا يُحصى من الرايات، وجعلت الوطن عبارة عن كراسي وتمزقات فئوية وتشرذمات. فالحرب ألغت الوطنية والعروبة والدين، وجعلتنا أشتاتا ومجاميع تسعى إلى محق بعضها.
وعليه، فما دمنا لا نعرف الوحدة والألفة والرحمة والتواصل والتكافل، والوطنية والمواطنة والأخوة الإسلامية والدينية والإنسانية، فأننا من أضعف المجتمعات، ومن حق أي قوي أن يعبث بنا وفقا لما يريد، ولا نلومن إلا أنفسنا وأفكارنا البالية وسلوكياتنا المعبرة عنها.
واقرأ أيضاً:
دول بلا غيرة!! / أمريكا وروسيا وأوربا وآسيا؟!! / التحالف الأمريكي الروسي والعرب!! / قرن الكذب الفتاك!!