الدولة مؤسسة ذات مواصفات وحدود ودستور وقوانين وموازنات ما بين إرادات ثلاثة هي التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا بد للدولة من أجهزة تنفيذية صالحة لكي تصنع الحياة وتبني الوطن وتتمكن من تلبية حاجات المواطنين. ووفقا لمفهوم الدولة فأن أجهزتها التنفيذية إبتداءَ من الرئيس أو المسؤول الأول فيها، وإلى آخر منصب أو مسؤولية، عبارة عن مكلفين بالتنفيذ وتأمين أمن وسلامة المواطنين، وسيادة الوطن وقدرته على التفاعل الآمن مع الدول والقوى الأخرى في الدنيا.
وهذا المفهوم معمول به في معظم الدول الناجحة المقتدرة، فالدولة تشكيلة أو هيئة تنظيمية لصناعة الحياة العزيزة لمجتمع ما، أو أمة ما. ولا يمكن للدولة أن تكون ملكا لأحد، وإنما هي صيغة لتنظيم العلاقات والنشاطات الإنسانية والحاجات اليومية للناس الساعية في دروب الحياة ومفازاتها. ولا توجد دولة واحدة قد نجحت وهي ملكا مشاعا لفرد أو عائلة أو حزب أو فئة، وإنما الدول تتحرك وتكون وفقا لمقتضيات قدراتها ومؤهلاتها الصيروراتية، وتفاعلات ما فيها من القوى والقدرات والطاقات المتنوعة بتنوع بشرها.
ومن الواضح إن من أساسيات النواكب العربية أن العديد من دولها عبارة عن دول أشخاص أو عوائل، والعلاقة ما بينها عبارة عن علاقات أشخاص وحسب، فإذا ساءت العلاقة الشخصية ساءت علاقة الدولة بدولة الشخص الآخر وهكذا. فهذا المفهوم يطغى ويسود ويتسبب بالمزيد من المشاكل والاضطرابات، فالمشاكل العربية – العربية، وحتى الحروب التي حصلت وتحصل، ما هي إلا من نتاج العلاقات الشخصية البحتة ولا علاقة لها بالدولة، لأن الشخص يحسب أن الدولة ملكه، وأي تدهور في العلاقة بينه وبين الشخص (الدولة) الآخر، يعني تدهور في علاقة الدولة بالدولة.
أي أن العرب لا يزلون في معضلة عدم القدرة على الفصل ما بين الدولة ككيان والفرد الحاكم أو المسؤول فيها، وتلك عاهة حضارية أدّت إلى صناعة الواقع القائم والمتفاقم، فالدولة المشخصنة هي الداء العُضال الذي يفتك بالوجود العربي. وما تعلم العرب من الدول الأخرى في المحيط الإقليمي أو العالمي، وإنما أمعنوا في سلوك شخصنة الدولة، وهذا ما يبدو واضحا في التفاعلات المريرة القائمة في البلدان العربية، المنهوكة بالتفاعلات الشخصانية التي لا تميز ما بين الدولة والشخص أو الحزب والفئة، وإنما تمضي في سكة سفك الدماء وتخريب العمران وتدمير الإنسان.
ولن يكون العرب إلا بوعي مفهوم الدولة وعدم ربطها بالشخص، وتأكيد كيانها الواضح المنضبط بدستور وقضاء عادل مخلص أمين وغيور على الدولة والسيادة والعدل المستقيم. فهل سيتعلم العرب أن للدولة كيان والشخص المسؤول يكون ضمن ذلك الكيان وحسب، كغيره من أبناء الشعب؟!!
واقرأ أيضاً:
التحالف الأمريكي الروسي والعرب!! / لماذا يتدخلون في شؤوننا؟! / قرن الكذب الفتاك!! / انحدار الديمقراطية إلى حضيض الديكتاتورية!!