اليقظة الذهنية Mindfulness هي من أكثر المصطلحات هذه الأيام تداولاً في مختلف المجالات الصحية، الاجتماعية، والنفسية. عقل الإنسان وهو في كامل وعيه يتنبه إلى ما يلي:
- أولاً وعيه لما هو حوله.
- ثانياً الأحاسيس التي يشعر بها.
- ثالثاً العواطف التي تغمره.
لكي تكون مستيقظا ذهنياً تنتبه إلى حاضرك في فترة زمنية معينة دون التفكير في الماضي والمستقبل. خلال تلك الفترة الزمنية لا تنتبه إلا إلى ما حولك، وما تحس به، وما تشعر به.
المصطلح المقابل هو اليقظة الذهنية الروحية وأن تكون يقظتك الذهنية للحياة الآخرة وهذا ما نسميه أحياناً اليقظة الذهنية التأملية والتزهد في الحياة والتصوف واعتزال الناس. كلاهما مصدره هو الصراع النفسي الذي يواجه الإنسان في ظل حياة مزدحمة بالأزمات والضغوط البيئية. من خلال هذا الصراع النفسي ولدت أسطورة رابعة العدوية في التاريخ الإسلامي ومفهوم اليقظة الذهنية.
التاريخ ورابعة العدوية؟
لكي نستوعب أسطورة رابعة العدوية علينا أن ندرس التاريخ الإسلامي بين عام ٦٠٠ -٨٥٠ م. يستعمل المؤرخون مصطلح الإمبراطورية الإسلامية لوصف هذه الحقبة الزمنية وهي فترة ولادة وتطور العلوم والثقافات والفلسفة في العصر الإسلامي. استمر التطور لبضعة أجيال وانتهى بعد أن قدم ابن رشد قواعد النهضة البشرية لمفكري أوروبا والذين لا ينكرون فضله وعمل أتباعه على قيام النهضة الأوروبية.
رابعة العدوية هي أول امرأه تم تقديسها في التاريخ الإسلامي، وتعطينا فكرة عن ربط الالتزام العاطفي بالالتزام الديني لتلبية ما نسميه الاحتياج الروحي أو الروحاني.
كان العصر الإمبراطوري الإسلامي مزدحما بالتحديات وسريع المسيرة كما هو الحال في عصرنا هذا. المسيرة البشرية تقسم البشر إلى مجموعتين:
١- مجموعة تشارك في المسيرة.
٢- مجموعة تشاهد المسيرة ولا تلتحق بها.
يولد الارتباك في المجموعة الأولى والثانية على حد سواء ويبحث الناس عن وسيلة لتحول تركيبتهم النفسية العاطفية.
أسطورة رابعة العدوية: حقيقة أم خيال؟
لم تترك رابعة العدوية كتباً أو مجموعة قصائد مدونة وما تسمع من أشعار منسوبة إليها أحاديث رواة لا يصعب على القارئ استنتاج بأنها من نسيج خيال الراوية. عاشت في القرن الثامن والتاسع الميلادي، ولكن ما وصلنا إليها كان عن طريق كتابات فريد الدين العطار الذي توفي عام ١٢٢١ م. لم ينافسها الشهرة في الأدب الصوفي الإسلامي سوى بيبي ل خاتون التي عاشت في الهند أيام القرن السابع عشر الميلادي.
الرواية الأولى لحياتها تقول بأنها يتيمة عائلة فقيرة تم بيعها وشرائها. ظهر الرسول الكريم في حلم لوالدها وأعلمه بأن سيكون لها دورها في حياة ٧٠ ألف مسلم. أما الرواية الثانية، التي انتشرت في القرن الحادي عشر الميلادي، فهي أنها امرأة قرشية لها نسبها ومقامها.
تم ربط رابعة العدوية بتزكية كبير علماء عصره في البصرة الحسن البصري، والرواية مصدرها الفكر الصوفي الذي ينسب الحسن البصري إلى صفوفه.
تقول الأساطير بأن رابعة العدوية كانت تستعين بالنور من إصبعها دون الحاجة إلى شمعة أو فانوس، وحين زارت الحرم المكي تحركت الكعبة نحوها.
البصرة والاحتياج الروحي؟
كانت البصرة أيامها أشبه بعاصمة أروببة هذه الأيام وفيها مختلف أنواع الملل والأفكار والثقافات. لم تكن رابعة العدوية الصوت الأنثوي الوحيد فيها، ولكن كانت ضمن نخبة من النساء اشتهرت بالتقوى والإسراف في ممارسة الطقوس الدينية والتصدي للصوت الذكوري والمطالبة بالحقوق الإنسانية.
كانت رسالتها أن العبادة ليست من أجل الدخول إلى الجنة وإنما لحب الله عز وجل فقط. من هنا يأتي تفسير ولادة اليقظة الذهنية عن طريق رابعة العدوية.
هناك أكثر من مزار لها والشهير هو في جبل الزيتون في القدس، والذي بدوره يضم مزار أكثر من شخصية روحية.
ربما الكثير من تفاصيل أسطورة رابعة العدوية من نسيج خيال الرواة، ولكن ذلك لا يعني بأنها لم توجد أو مجرد خيال، ولكن سيرتها تعكس لنا زخم الحركة الفكرية وتفاعلها مع الأزمات النفسية التي يمر بها الإنسان من خلال ضغوط بيئية وتحديات وجودية وفكرية واقتصادية.
واقرأ أيضًا:
اليقظة الراضية أو الوعي الآني Mindfulness / الموسيقى والطب النفسي / أبجدية المحبة في شهر ذي الحجة