نهب ثروات الأمم والشعوب يتحقق بإلهائها بالصراعات الداخلية والمحيطية أو الإقليمية، فحالما تدخل في متوالية الصراعات الهندسية الطباع، تبدأ مسيرة الابتعاد عن الثروات واستخدامها لتمويل الصراعات، ومعها تنطلق برامج ومشاريع نهبها وأخذها بأبخس الأثمان، لأن أصحابها سيُرهَنون بالصراعات، وسيستنجدون بالسراق لكي يزودونهم بالسلاح والعتاد، والذين سيمعنون بتأجيج الصراعات وتطوير المقايضات، فتذهب الثروات الوطنية هدرا وكذلك الأرواح والعمران، وتتحول الدول إلى مستعمرات أو محميات، وقد أمعن المفترسون بإلتهام ما يستطيعونه من ثرواتها وممتلكاتها.
ووفقا لهذا القانون الإفتراسي الغابي المُقنّع بالافتراءات الحضارية والإنسانية، تفقد المجتمعات قدرتها على الحياة، وهذا واضح في الدول الغنية بالنفط كالعراق وليبيا وغيرها من الدول، التي تم دفعها إلى منزلقات الصراعات الخسرانية المحتدمة وتسعيرها انفعاليا وعدوانيا، حتى دخلت في دوائر تدميرية مفرغة وشديدة الدوران والاحتران.
كما أنه يظهر جليا في المناطق الغنية بالنفط، كالسعودية وإيران والعراق التي ما عرفت العلاقات الطبيعية بينها منذ أن وجد النفط فيها، بل أنها أمضت معظم القرن العشرين ولا تزال في صراعات دامية وتفاعلات أهدرت بها ثرواتها النفطية، ومنعتها عن مواطنيها، فعم الفقر والخراب والاحتراب. ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق فائدة من ثرواته مهما تعاظمت إذا نشبت الصراعات الداخلية فيه والخارجية من حوله، لأن ذلك يعني الاستنزاف المطلق لكل ما يحتويه.
وبهذا تجد الدول النفطية قد حوّلت النفط إلى نقمة بسبب التصارعات المؤججة والمُدبرة لها، والتي وقعت فيها مرارا وتكرارا وما إتعظت ونظرت بعيون العقل والإبصار السليم، فأضاعت ثرواتها وبددتها بشراء الأسلحة المنتهية الصلاحية لقتل المواطنين، بعد أن تسميهم بمسميات وفقا لما يبرر الانقضاض عليهم وإبادتهم عن بكرة أبيهم.
وعليه فإن القول بالاستثمار والاستفادة من الثروات يجب أن يرتكز على العلاقات الإيجابية الداخلية والخارجية، وأن يتوفر الأمن والأمان والمحبة الوطنية، والتعايش الإنساني السلمي المساهم في تثمير وتحقيق المصلحة المشتركة للجميع.
إن عدم وعي هذه الحقيقة القاسية، وإغفال ما تتسبب به من تداعيات مريرة في المجتمعات التي تُسمى ثرية، وما هي إلا في أدقع حالات العوز والفقر، سيساهم بمزيد من نهب الثروات ومصادرة الهوية والمعالم المكانية والحضارية للمجتمع، خصوصا عندما يلد ذلك المجتمع نُهابا وسُراقا من بين ظهرانيته يتعاونون مع كل نهّاب وسرّاق لئيم، يسعى لتجريد المواطنين من حقوقهم ومنعهم من التمتع بثروات بلادهم.
فهل سيدرك المغفلون غايات الصراعات وقرع طبول الحروب ما بين أبناء الأمة الواحدة؟!!
واقرأ أيضاً:
دولة الشخص وشخص الدولة!! / انحدار الديمقراطية إلى حضيض الديكتاتورية!! / لا جائع ولا متشرد في الصين!! / أبوة الأخطار!!