القوة طاقة موجودة في كل مكان وزمان، وهي مطلقة التنوع والامتداد، ولا يمكن للحظة وجودية أن تخلو من القوة، بل أن القوة جوهر الحياة، فالكون بأسره محكوم بقوة التجاذب والتنافر وما بينهما وما ينتج عنهما، ولا توجد أية حالة خالية من هذين البعدين.
والقوة بطبيعتها ذات اتجاهين يشيران إلى وجودها وسلوكها، ولكي تحقق أية قوة إرادتها ومنطلقات اتجاهها، تحتاج لمهارات وخبرات تفاعلية تفضي بتنميتها، وزيادة آليات تكاثفها وحثها وتأثيرها في محيطها، الذي عليها أن تتعلم كيف تحوله إلى موردٍ وممولٍ لطاقاتها، لأن القوة طاقة والطاقة تتبدل وتستحيل إلى حالات منسجمة مع وعاء كينونتها ومآلاتها التفاعلية.
وهذا القانون الفيزيائي الكوني الأخلاقي الصيروراتي يشمل الموجودات الكونية كافة حية وغير حية، لأنها بأسرها تعبر عن طاقات كامنة فيها، ولا يوجد ما هو جامد أو خامد، وإنما في كل شيء مصدر طاقة، قد ندركه أو لا نزال بعيدين عن وعيه، فهل كانت الأجيال قبل القرن العشرين تعي أن في الذرة المتناهية الصغر طاقة هائلة عظيمة الكِبر؟!
وعليه فإن أية قوة يمكنها أن تتشظى بالتصادم الذي يحرر طاقات متخبطة ذات تأثيرات عشوائية مضطربة، ويمكنها أن تتماسك وتتقوى بالتلاحم التفاعلي مع قوة أخرى وأخرى، حتى تصل إلى درجة القدرة على التأثير الأكبر في محيطها، والحفاظ على قدرات طاقاتها وعدم إضمحلالها وتشتتها أو تحولها إلى صيرورة أخرى قد تكون متقاطعة مع القوة التي أوجدتها.
بمعنى أن أي كائن طاقوي اقتداري متفاعل في الفضاء الكوني يمكنه أن يلد ضده بسهولة وبسرعة، ولا توجد حالة مهما توهمت بأنها معصومة من هذه الولادات، ويبدو ذلك جليا في الحركات والأحزاب والمدارس والمعتقدات والأديان بأسرها، واتجاهات الفكر والفلسفة والأدب والثقافة والعلوم، وأبسط مثال عليه العائلة التي قد تلد أبناءَ وبناتاً ضدها تماما.
ومن المعروف أن ميل القوة للتمزق أو التعدد أسهل من ميلها للتجمع، لأن طاقات التنافر المحبوسة فيها قد تنتصر على طاقات التجمع والتلملم والاتحاد، لأن ذلك يحتاج إلى قوة وصرف طاقة، أما التبعثر فلا يحتاج إلا للتخلص من القوة والطاقة التي تتحكم في ضمه وتوحيد صيرورته.
وما تشهده العديد من المجتمعات يقع ضمن هذا الإطار التفاعلي الذي سيتسبب لها بمزيد من التبعثر والتمزق وعدم التوافق، لأن القوة الجامعة غائبة، والقدوة الضامة مفقودة، مما يعجل في زيادة سرعة التداعيات والانهيارات التمزقية في كيان المجتمع، وميادين الحياة التي ستفقد قدرات التحكم ببوصلة مسيرها، مما يدفع بقوى كثيرة متأهبة لامتلاكها وتحقيق أهدافها بها.
ولكي تكون المجتمعات قوية عليها أن تبحث وتؤهل ما فيها من قدرات التجاذب والاتحاد والتجمع الانضمامي المتراص، لتتفادى هجمات القوى الضارية المفترسة العاتية، ولتتمكن من صناعة قوتها المتأهبة لدرء الأخطار عن وجودها المستهدَف بالكامل.
ولابد لها أن تلد القائد القوي الرحيم!!
واقرأ أيضاً:
الإلهاء والإملاء!! / سياسة النار والماء!! / أمم القنابل وأمم الغوافل!! / أعوامٌ وأجيالٌ!!