الأرض أمنا وهي كائن حي إذا إفترضنا أن الحياة طاقة تفاعلية قائمة في الموجود أيا كان نوعه، ويمكنه أن يذوي ويغيب بإنتفاء تلك الطاقة أو مغادرتها لعناصر مكوناته. فالأرض يمكن التيقن من أنها كائن حي بما يجري في داخلها من تفاعلات، وما ينطلق منها من عطاءات متجددة تؤكد أنها حيّة وَلودَة، فما فوقها يولد منها، والبشر قد خُلق منها، ووفقا لهذا الافتراض، فإن الأرض ذات مشاعر وأحاسيس، وقد تغضب وتحزن وتفرح، ويصيبها ما يصيب أي كائن حي على ظهرها، ذلك أن كل مخلوق صورة مصغرة للأرض الحية الدوارة المتحركة، والحركة دليل آخر على أنها ذات حياة، وفيها روح هي الطاقة المستمدة من الشمس، والتي تحولها إلى خزين طاقوي متنوع وعلى رأسه النفط، لكي تحمي نفسها من الاحتراق. فالأرض تصنع النفط وتخزن الطاقة في أعماقها وفقا لآليات دفاعية وبقائية تحافظ على ديمومتها الكونية.
وقد وُجدت مخلوقات متنوعة عليها منذ الأزل، وربما قد سكنتها مخلوقات بشرية أو غير بشرية قبل هذا النوع البشري الذي ننتمي إليه، أو ربما جاءتها وإستعمرتها أجناس أخرى من كواكب مأهولة لا علم لنا بها في الزمن المعاصر، لكنها موجودة في أراضٍ وسماواتٍ أخرى. ولا يمكن إغفال أن الأرض كانت مأهولة، وأن هناك خبرة بالسلوك البشري فوقها، وفقا لما جاء في الآية الكريمة التالية:
"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها مَن يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونُقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون" 2:30
وهذا الإقرار بمأهوليتها قبل هذا النوع البشري الذي ننحدر منه يشير إلى سلوك الفساد وسفك الدماء، وهما خصلتان سلوكيتان متصلتان بالوجود البشري خصوصا والمخلوقاتي عموما، لكن البشر هو من أفظع المخلوقات الكونية فسادا وسفكا للدماء، وكأن فيه ما يدعوه لهذين السلوكين التي عجزت جميع الرسالات السماوية والدنيوية عن تهذيبهما.
ويبدو أن الأرض قد ازدادت حمولتها من البشر الذي سيتجاوز عدده السبعة مليارات، وهذا ما لم تعهده وتعرفه من قبل، مما يعني أن الفساد سيزداد وكذلك سفك الدماء، مما سيتسبب بإغضاب الأرض وتحفيز طاقاتها الدفاعية وإراداتها البقائية، التي ستخوض بموجبها صراعات مريرة مع الخلق الذي أوجعها وأصابها بأضرار نفسية وروحية مريرة.
فالأرض ترقب ما نقوم به وتعاين تصرفاتنا، وتتأهب بكل ما فيها من الطاقات والقدرات الكامنة للانقضاض علينا، والتخلص من شرورنا ومآسينا التي تؤلمها وتبكيها. فهل ستنتقم الأرض منّا لعدم احترامنا لها وإمعاننا بالاعتداء على وجودها، بقيادة قوى كبرى في العالم تسعى للانقضاض عليها وإغفال ضروراتها البقائية والدورانية؟!
إن الأرض في مرحلة متحيرة قد تدفعها إلى اتخاذ ما لا يخطر على بال من القرارات الانتفاضية القاضية بإعادة سلطتها إلى مركزها، وتحجيم دور البشر في التأثير على وجودها المتوج بالسرمد والمؤزر بالخلود الدوراني المطلق.
فهل من رحمة بالأرض، وأول خطوة أن يرحم الإنسان أخاه الإنسان، لكي تسعد الأرض بالأخوة الآدمية وتبقى الحاضن الأمين للبشر!!
واقرأ أيضاً:
أمم القنابل وأمم الغوافل!! / القوة المتحدة!! / أعوامٌ وأجيالٌ!! / برشلونة وريال مدريد!!