الحضارة صيرورة تراكمية، والقوة تَراكمُ مفردات متفاعلة، وعناصر متآزرة، ولا يوجد اقتدار متفوق من دون تراكم مُتبرعم ومتورّق. فالأوطان بما فيها عبارة عن نتائج تراكمية تفاعلية لأجيال ذات عطاءات وإبداعات وإضافات ذات قيمة وقدرة متنامية، فالتراكم الإيجابي يحقق العزة والاقتدار، وبعض المجتمعات لديها ميل للتراكمات السلبية التي تدمر ما فيها من مصادر للطاقات والثروات وتستنزف أجيالها وتدفنها في حفر الويلات، وتلقي بوجودها في مستنقعات تتعفن فيها التداعيات، وتتطور لتكون نكبات ما بعدها فواق.
فالتراكم طاقة جامعة لامّة محفزة ومؤثرة بانطلاق محتويات الأجيال المارة في بقعة أرضية ما، ولكل مجتمع ديناميكيات وعناصر تراكمية تحدد نوعية التفاعلات، وتستحضر عواملها المساعدة القادرة على تنشيط التفاعل وزيادة الإنتاج. ووفقا لمعادلات التراكم الحضاري، فإن القوة تنجم عن التراكمات الإيجابية والضعف عن التراكمات السلبية، فالسلوك البشري الجمعي محكوم بالتراكمية، ونوعها يحدد مصيره واتجاهات خطوه وكيفيات تخلقه وتطوره وتدهوره.
ومن الواضح ان المجتمعات العربية قد تمكنت منها التراكمات السلبية، وتفاقمت فيها التفاعلات الخسرانية، وتوفرت لها العوامل المساعدة الداخلية والخارجية الكفيلة بتأمين النتائج الضامنة للمصالح والأطماع، والتطلعات الفتاكة القاضية بأكل الوجود العربي وتدمير ذاته وموضوعه. وتجدنا اليوم في محنة هذا التراكم الذي تنامى واستشرى، حتى طغى على الدنيا والدين، وقيّد المجتمع بأصفاد المذهبية والطائفية والتناحرية، فقتل الأوطان والإنسان، ودفع بالملايين للرحيل إلى دول غربية أجنبية، بعيدا عن نيران التواصي بالعدوان والكراهية والأحقاد، والتدمير القاسي للبلدان بمدنها وحضاراتها وإنسانها الذي يقاسي من الحرمان والجهل، وفقدان الحقوق الأساسية لأي إنسان في كوكب تمكنت فيه أفكار ألف شيطان وشيطان.
ولا يمكن الخروج من مآزق التراكمات السلبية الماحقة إلا بإحياء الروح الإيجابية، وتحقيق التراكم الإنساني الرحيم القاضي ببناء الروح والنفس والعقل، وتطويق أوبئة التراكم السلبي المنتشرة في البلدان، والمستوطنة في أعماق البشر الحيران. ويكون ذلك بالعودة إلى جوهر القيم والأخلاق والمبادئ الدينية الأصيلة التي جاءت للناس كافة، والداعية إلى الأخوة والرحمة والألفة الإنسانية، وأن البشرية بنت آدم والتراب.
واقرأ أيضاً:
أمنا الأرض الشقية بنا!! / برشلونة وريال مدريد!! / الوأد العقلي!! / الخطاب الوطني المفقود والقول المنكود!!