المجتمعات الحية تمتلك خطابا وطنيا واضحا صريحا تجتمع عليه القلوب والعقول والنفوس، وتعتصم به الإرادات الساعية للقوة والقدرة والعزة والرقاء، ولا يمكن لمجتمع أن يمضي في سكة الحياة المتصاخبة دون ذلك الخطاب الجامع المانع.
وهذا الخطاب يتضمنه الدستور وتحميه القوانين والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعندما لا تتوفر هذه المنطلقات في أي مجتمع فأنه يتحول إلى ساحة للقول المنكود، أي الذي يجلب النكد، لأنه يساهم في تأجيج الأزمات وتعقيد المشكلات والاستثمار في الويلات.
ويبدو ذلك السلوك واضحا في المجتمعات التي غاب فيها الوطن وتميّعت الدولة ككيان ومؤسسة، كما في بعض دول المنطقة الشرق أوسطية، التي تأججت فيها النزاعات التدميرية الفائقة القدرة على التهجير والتخريب وسفك الدماء.
كما أن المجاميع والفئات بأنواعها قد أصيبت بوباء الانفلات والتمنطق بمفردات العدوان والانتقام، وصار لكل حارة وشارع مَن ينطق بما يساهم في التعثر والغياب، وكلٌّ يحسب نفسه صاحب القول الفصل والقرار الصائب والآخرون أعداء، ولا يجوز له أن يكون متفقا معهم على جواب.
ولهذا ترى التصريحات المتضاربة والآراء الفوضوية والكتابات الحَمَقية تطيش في الأيام، كأنها السهام الخائرة الحائرة التي أضاعت أهدافها وتعددت أوصافها وتسمياتها، وتخرّبت ديارها بيديها، لأنها صارت تُرمى "عامي شامي"، وهي ترفع رايات الطيش والتيهان الأليم.
ولا يمكن لمجتمع أن ينجز شيئا وفيه أفواه تبوح بما تشتهيه من الكلمات والعبارات وفقا لحالتها النفسية ودرجتها الانفعالية والعاطفية، ولكمية ما يُحقن فيها من الأموال وما توعد به من الآمال واللذائذ والأحلام.
وعليه فإن من الضرورات القصوى أن يتوحّد الخطاب في المجتمع، ويعبّر عن إرادته الحرة الحية المتفقة ومصالحه وتطلعات أجياله.
واقرأ أيضاً:
برشلونة وريال مدريد!! / الوأد العقلي!! / التراكمية الغائبة والتبعثر المستقيد!! / الأغنامُ تحرسُ ذئابا!!