كثير من الناس يجتهدون في تأدية صلاة التراويح (النافلة) إما بعد العشاء أو قبل الفجر، وقد يسهرون الليل من أجلها، خصوصا في العشر الأواخر.
فإذا جاء موعد الصّبح (الفريضة) ناموا عنها ! وما تقرّب عبد إلى الله بأحب مما افترضه عليه كما في الحديث القدسي...
- إن حديثي عن الفهم الحسن لا يرمي إلى تزهيد الناس في الطاعات والنوافل، بقدر ما يحاول التنبيه عن الخلل المنهجيّ في النظر للأمور ورفع بعضها لمقام "الأوليّ"، وتضييع الأساسي منها وإنزاله لمقام "الثانويّ". ومن ثمّ صناعة "نموذج اجتماعيّ مختلّ" للمسلم الصالح العابد... ولا بدّ أن يختلّ به المجتمع المسلم بعد ذلك...
وهذا لا يخصّ الصلاة وحدها، وهنا مكمن الخطر... فذلك يمتدّ إلى كل عمل مُناط بالمسلم عملُه من أجل دينه وفي سبيل خالقه تعالى...
فصاحب الشركة يحج عاما بعد عام ويترك المظالم وراءه يلعنُه أصحابها.
والأب يفرض على أبنائه حفظ القرآن، ويضيّع علاقته معهم، فلا ينفع حفظ ولا يبقى ودّ.
والمتدين يهجر المدرسة أو الكلية لأنه تدين ويطلب العلم في مجالس الذكر.
والمتحجّبة تختفي عن الأنظار فلا تكاد تُسمعُ لها كلمة وذاك غاية التديّن عندها.
الطالب يشغل نفسه بملحدي كليّته يريد أن "يبدّد ظلمات قلوبهم" عوض أن يبرع في دراسته.
والواعظ يرضى عن الشاب مادام ملتحيا مقصّرا ثيابه ولا يضرّه بعد ذلك شيء.
والعابد يستميت مع التروايح ويشدّ الرحال للمساجد والمقرئين، ولا يرى من الطاعة غسل الأواني المتراكمة كالجبال بعد أن ملأ بطنه.
والمتحمّس يتكلم عن ساحات الحروب والسياسة ولا يضرّه أن ينام حتى الظهيرة، ولا يرى في تخلّفه عن إعالة نفسه أو أسرته خنوعا أو طعنا في رجولته...
وهكذا
والأخطر أن كل الأصناف التي ذكرتُ يُنظر لها أنّها الأقرب للتدين والأكثر توفيقا في تجسيده، وبذلك تُغذّي التصورات المنهج، ويغذي المنهج بدوره تلك التصورات....
والخلل طبعا ليس في القيام بتلك النوافل أو بالتخلّق بتلك الأخلاق، إنما الخلل في اختلال التقديم والتأخير، وأيضا اختلال التعظيم. ومن استطاع أن يوفّق فقد اهتدى.
هذا كلّه مع تفهّمي جيدا لمسألة الأدوار وأن لكلّ فرد دوره، ولكن وجود الأدوار واحترامها لا يعني وجود تصوّرات "سليمة" عن ذلك الدور. بدليل أنّ صاحب الدور إن غاب (الأخت التي تغسل الأواني مثلا) لا يقوم مقامها الأخ المتعبّد فيما تقوم به... وفي تبادل الأدوار يظهر الخلل.
واقرأ أيضًا:
سذاجة بعض القصص الوعظية / نقاط منهجية حول حالة بعضهم الفكرية / لا تزال الرصاصة في الجسد (في نقد التفكير الخرافي)