لو تُركت الشعوب على حالها لما وُجدت المشاكل والصراعات، لكن الأقوياء يفترسون كالأسود في الغاب، وفي دنيا البشر الغابية لكي تفترس الشعوبَ عليك أن تمزقها وتوقد جمرات التناحر والشقاق فيما بينها، وهذا سلوك غائر في القِدم ولا جديد فيه سوى الوسائل والتقنيات والنظريات الفاعلة في الواقع الدامي.
فلو تُركت الكوريتان على حالهما لاتحدتا منذ زمان، ولو تُرك العرب على حالهم لاتحدوا وصنعوا وجودهم القوي، لكن هذه التصرفات لا تخدم مصالح الأقوياء، لما يختزنونه من ميول افتراسية شرسة.
والأقوياء يتنافسون فيما بينهم على افتراس الآخرين، لكنهم لا يجرؤون على افتراس بعضهم بعضا، لأنهم يدركون بأن فرائسهم ستفترسهم، فهل رأيتم أسودا تفترس أسودا، أو ذئابا تأكل ذئابا؟
إنها قوانين فاعلة في غاب الدنيا المتطاحن القدرات والمتصادم الطاقات، وكلما امتلك البشر ما يقوّيه جنح إلى التعبير عن نوازعه الافتراسية التي تعني التدمير والخراب، وسفك الدماء وسبي الناس وتهجيرهم وترويعهم، والانقضاض عليهم كما تنقض الوحوش على فرائسها في احتفاليات الصولات الحامية.
ومثلما تجتمع الأسود وغيرها من الحيوانات ذات الأنياب والمخالب للإطباق على فرائسها، كذلك الأقوياء يفعلون، فهم يجتمعون على افتراس شعب ووطن وأمة، وتراهم ينادون بالتحالفات المتوحشة للهجوم على هذه الدولة أو تلك، لكي يكون لكل منهم حصته من الفريسة.
حصل ذلك في العراق وليبيا واليمن ودول أخرى في العالم، واليوم تمضي الاستعدادات نحو كوريا، لكن هذه الدولة قوية، إنها ليست حِملا وديعا يثاغي، إنها قوة ذات قدرات تدميرية هائلة، وشعبها شرس مغوار، ولهذا فإن الأقوياء سيفكرون ألف مرة ومرة قبل التورط معها بمواجهة افتراسية، ذلك أن الأقوياء لا يفترسون قويا، وهم جميعا يبحثون عن كبش سمين كالعراق وليبيا وبعض الدول العربية الأخرى ذات الشحم واللحم.
ومشكلة العالم الجوهرية أن الأقوياء يصولون ويجولون، والضعفاء يخورون ويتوسلون ويتبعون ويقبعون، ويتسخرون لتنفيذ مشاريع وخطط الأقوياء ظنا منهم بأنهم لن يتحولوا إلى فرائس، بينما الأسود لا يعنيها سوى الافتراس، ولكل فريسة حين وميقات لتكون جاهزة للوليمة.
ويبدو أن كوريا الشمالية قد تعلمت الدروس من حال العراق وليبيا وسوريا واليمن ودول أخرى في أفريقيا، وأدركت أن الأسود لا تهاب إلا الأسود، وعليها أن تكون أسدا شرسا بين الأسود، ولن تسمح لنفسها أن تكون فريسة للوحوش الكاسرة.
بينما العرب يستلطفون دور الضحية ويتلذذون بوجودهم في أطباق ولائم المُفترسين، وهذا الفرق بين شعوب وأمم تكون وأخرى تهون!!
واقرأ أيضاً:
جارك ثم جارك...!! / النفس والكراهية!! / الشَعْبَوية!! / أيتها الأرض!!