الأمة ستموت بسبب تخمة التحليلات التي لا يجيد غيرها المفكرون، فهم يحللون ويحللون وغايتهم في ذلك التسويغ والتبرير والتقنيط!!
نعم إن العقل العربي لا يستطيع الخروج من دائرة التحليل المغلقة المفرغة، ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى اليوم والساحة تتكدس فيها التحليلات، والدراسات المتصلة بها من قبل علماء الاجتماع والتأريخ والفلسفة وغيرهم من باقي الاختصاصات، وما غيرت شيئا هذه التحليلات، وإنما تبدو وكأنها أسهمت بتنمية التداعيات والصراعات والتفاعلات الحامية الدامية ما بين أبناء المجتمع الواحد، بل وربما خدّرت المجتمع ودفعت به إلى مزيد من الانحطاط.
ومَن يبحث في كتب المفكرين لا يجد جديدا، فالموضوع يتكرر ويرتبط بمفردات ومواقف لا تتبدل، وتزداد ترسيخا وتعضلا مع توافد الأجيال التي تسكب تحليلاتها العصماء في أوعيتها لتزيدها استنقاعا وتعفنا، ولتؤدي إلى إنتاج أجيال بلا هوية ودراية وطنية وهمة حضارية.
فالتحليلات لا تنفع ولا تشفي من مرض، إن لم تكن متصلة ببرامج عملية فعالة ذات قيمة تطبيقية وهندسية كفيلة بصناعة الحياة المطلوبة، ذلك أن المفكرين في مجتمعات الدنيا يرسمون خرائط المستقبل وآليات التفاعلات والسياسات، ولا يكتفون بالتمنطق بالتحليل.
فما قيمة أن نفهم العلة ولا نبحث في الدواء؟!!
وما فائدة هدر الوقت في البحث ببطون الكتب والتوصل إلى تفسير مجرد من الفعل والعمل؟!!
إن اعتبار التحليل أقصى ما يمكن للمفكر أن يقدمه لهو العلة العظمى التي تعاني منها الأمة على مدى العقود التي تلت بناء الدول العربية، والتي جميعها تكاد تخلو من أنوار التفكير والتقدير والعمل المستنير بالرؤى الميدانية الصالحة للقوة والاقتدار والبقاء والنماء.
فلماذا لا يقدم المفكرون ورقة عمل لتخليص الأمة من محنها، ويرسمون خارطة صيرورتها المثلى وفقا لقدراتها وما فيها من الإمكانات البشرية والمادية الأخرى، التي لو استثمرت كما يحصل في المجتمعات المعاصرة لتخلصت الأمة من ويلاتها الجسام المرهونة بالغابرات، والبائدات من الأحداث والتصورات والتشويهات المبرمجة للتأريخ، والسعي الحثيث لتدمير الحاضر والمستقبل.
فهل من مفكر عملي رشيد، بعيدا عن النظريات والتحليلات التي سئمتها الأجيال، وأنكرتها في عصر التدفق المعلوماتي الفياض؟!!
واقرأ أيضاً:
الشَعْبَوية!! / الأقوياء يفترسون!! / أيتها الأرض!! / ما قبله وبعده وما سيأتي كمثله!!