لماذا يصعب على كثير من الناس نبْذُ الخُرافة، مع الطّعن في نيّة الذي فنّدها وبيّن بُعدها عن الإسلام ؟
كثير من الناس يبني إيمانه بدينه على الخرافات، فيجعلها ركنا ركينا فيه ، حتى تصير من الإسلام وما هي منه، ولن يقبل يوماً أن تُنسف فيه تلك الخرافة لأنها تشكل عنده الاعتزاز والتصوّر الراسخ لدينه، وتعمل على طمأنته وتعزّز إحساسه بامتلاك الحقيقة .
وتمدّه أيضا بدلائلَ قاطعة على صحة دينه الذي حسَب فهمه، لا يُمكن أن يكون ديناً صحيحاً عظيماً إلاّ إذا كان ساطعاً بدلائل ماديّة محضة وخوارق طبيعية. ليشبِه ولو من بعيد المشركين الذين طالبوا محمدا صلى الله عليه وسلم بالآيات
((وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا))
فالتفكير الخرافيّ يفترض صحة الفكرة شرط ارتباطها بماديّة مبهرة فارضة لوجودها ، بسبب سهولة الاقتناع بالمحسوسات، ويجعل أي خبر مَهْما كان مُتهالكا من الناحية المنطقية والعلمية، دلالة على دينه وتجسيداً له ولرسالته ومعتقده، فتكون بهذا الخرافة جزء لا يتجزأ من دينه الذي إن طعنت فيه (الجزء) صرت "علمانياً وعدواً للإسلام" (الكل)
وقد نفهم ميول البعض للتشبّث بأفكار وأقوال تصبّ في توجّههم هذا . فبرغم سماعه لردّ علمي على من سمع منه الخرافة أو "شبه الخرافة" (عندما يختلط العلم والعلم الزائف). فيصير كلام ذلك الشخص منزهاً ووحياً منزّلاً، وكلام المنتقد وساوس شيطانية !!
وكأن توجهه وبحثه عن حقيقة "لا تصدمه" بل تطمئنه على معتقده هو الذي يجعله متصلباً في رأيه ، مصدقاً بسهولة من أهدى له الطمأنينة والشّرف (الزائفين) وطاعناً فيمن يهدّد راحته وسكينته !
وربما حرص الكثير على "تقوية" معتقدهم بدلائل مادية وملموسة نابع أيضا من سهولة إقناع الناس بتلك الدلائل، فكل البشر يؤمنون بالمادي المحسوس المبسّط، أسهل من إيمانهم بالمجرد المعقّد. وعلى هذا يكون المجهود بسيطاً ضئيلاً لإقناع الناس، بدلا من إقناعهم بمشوار علمي، وحضاري وأخلاقي طويل المدى، شحيح الثمار...
وما أشبه حال من يؤلمه انتزاع الخرافة من دينه بحال جنديّ يؤلمه انتزاع رصاصة تشعبت حولَها أعصابُه ولحمُه ودمُه ، فيصرخ متألماً فزعاً من مضاعفات نزعها، كما تألم وانزعج الذي نُزعت الخرافة من دينه فرأى انهيار معتقده وشيكا .
ونسي أن الخرافة ليست من دينه، مثلما أن رصاصة الجنديّ ليست من جسده .
وياليت الأمر يتشابه ! إذ أن وعي الجندي "بغرابة الرصاصة" عن بدنه ناصع مشرق أما صاحب التفكير الخرافيّ، فيصعُب عليه جرْد الأفكار وفرزها لمعرفة الصحيح من السقيم فيها فضلاً عن معرفة أيّها أحق بالإبقاء أو الإبعاد .
واقرأ أيضًا:
سذاجة بعض القصص الوعظية / التفكير السحري (الخرافي) في الموسوسين: تفصيل / التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري / رمضان والعبادة