عندما تغيب روح أية أمة يتبلد وعيها، وتتمرغ في أوحال الإذلال والتبعية والهوان، وتصبح ذات نزعات استلطافية للقيام بدور الضخية، الذي تكون فيه فريسة لما لا يُحصى من الوحوش السابغة التي تزأر في ديارها، وتستجمع ما فيها لتواصل انقضاضها والتهامها حتى نخاع العظم.
وأمة تم مصادرة روحها، وإيقاف قلبها، فما عاد ينبض، تخثرت الدماء في عروقها، وتصملت، وعم فيها المُوات، فتأسّدت عليها الهَوام. أمة تضيق عليها الأرض بما رحبت، وتطاردها زوابع التهم والإجرام أينما حلّ أبناؤها، سواء في ديارهم أم في تيهانهم المهجري الأليم، فأنى يهاجروا تجدهم أمام تحدٍ كبيرٍ يستهدف وجودهم وهويتهم ولغتهم ومعتقدهم وتراثهم وما يمت بصلة إليهم، وفي ديارهم يتعرضون لأبشع العدوان من قبل أبناء بلدهم وجلدتهم ودينهم، فكيف لهم لا ينسلخون عمّا فيهم ويدل عليهم من العلامات والسمات.
فهل أن في الهروب خلاص؟
وهل في الاستسلام خلاص؟
وهل أن الذي يجري في ديار أمة ينخرها الضلال والبهتان، سيصل بها إلى غير مستنقعات الفناء والخَياب المهين؟
فالأمة تدنس أروع ما فيها، وتخرّب جوهر كينونتها، ومعيار وجودها، وتمزق هيكل ذاتها، فتناثرت مفردات هويتها كذرات الرمال التي تذروها رياح النكران وأعاصير الامتهان، وغابت روحها في أطيان الحاجات المستعرات في كل مكان، حتى لتجدها مقعدة متسولة، ومُسخرة لتنفيذ ما يناهض طبعها وحاضرها ومستقبلها، فالأمة تعادي نفسها، وتنقض على وجودها، وإنها لأمة منتحرة!!
أمة تهشمّت، وتحولت إلى هباء منثور، وكأنها كالعهن المنفوش، تستنجد بأعدائها على بعضها، وتبذّر أموالها في مشاريع الخراب والاقتتال والدمار، وما فكّرت بالبناء وإعلاء شأن الإنسان، ورفعة الأوطان، والاعتصام بحبل التعاون والتفاعل الإيجابي، الذي يزيدها قوة وقدرة على المطاولة والتحدي، والوقوف بهمة متكاتفة ذات إرادة انضمامية، وعزيمة متوثبة نحو تأمين مصالحها في حاضرها ومستقبلها، حتى بدت وكأنها سفينة مثقوبة في لجج البحر الهائج المزدحم بالأعاصير.
أمة تقوقعت وما تجددت، فتعفن ما في أوعيتها وتكاثرت فيه الجراثيم والطفيليات والديدان الساعية لنخر بدنها المتفسخ في حفر الزمان، وأقبية المكان الغابر المكفهر الذي يحارب أشعة الشمس، ويُبعد أي نور عن التسلل إلى أخبية الضياع والانهزام والانقياد لإرادة المفترسين الصائلين على الراتعين بديارها، والفاقدين لقدرات التحدي والمجابهة والتواصل العزيز.
أمة عليها أن تنهض قبل أن تتعاون على تهبيرها سواطير الطامعين، لتقطعها إربا إربا، وترمي بأشلائها لسوابغ الغاب والوحش الشنين؟!!
أمة اليقظة والثورة والتفكر والتعقل والعزم والحزم، عليها أن تولد من أرحام عدميتها إلى فضاءات كينوناتها المتوهجة السناء!!
وإنها بجوهرها الأصيل لسوف تكون!!
واقرأ أيضاً:
حوار مع القلم!! / انتصار إبليس!! / أمة بلا فِكِر, أمة بلا ذِكِر!! / الارتهان البشري!!