استلمت ظهيرة الأمس 9 رمضان – 4 حزيران 2017 مقالا من د. سداد جواد التميمي عن نكسة يونيو 1967 سماه نصف قرن على نكبة العرب نكسة يونيو ! وقرأته على عجل وأنا في العيادة ووجدت لدي ما أتلف معه فيه مثلما وجدت ما عرفته لأول مرة وأكمل معلومات منقوصة كانت عندي.
كانت أول فقرة شعرت بالاختلاف معها هي في حديثه عن حال الشعب اليمني هذه الأيام إذ قال: (تسمع صيحات الاستغاثة من دول الغرب لإنقاذ أهل اليمن من الجوع ولا تسمع من الإعلام العربي إلا عن انتصارات عسكرية وحرب لم تنتهي) ... هذا لا يحدث من القناة الأشهر والأكثر مشاهدة –حسب معلوماتي- في العالم العربي فأنا أسمع فيها عن الأحوال السيئة من كل النواحي التي يعيشها اليمن السعيد في هذه الأيام التي هجرت فيها السعادة سماوات العرب.
وأما هذه فكانت معلومة جديدة (موقف وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان لرأيه بدون إعلام رئيس الدولة هو الذي أطال الحرب، وكان مستهدفاً دمشق. تدخل الاتحاد السوفيتي وأنذر بالتدخل وتوقفت الحرب واحتلت إسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية).... ربما لأنني كنت أبلغ من العمر وقت تلك الحرب سنتين ونصف لم أعرف عن ما دار فيها سوى نتيجتها النهائية).. لكن لم أسمع لا بالإنذار الروسي ولا بتهديد دمشق .... قديمة إذن هي الحماية الروسية لعائلة الأسد في سوريا وما زلت لا أفهم السبب.
أصبح الحال مؤسفا بل مثيرا للاشمئزاز هذه الأيام في كل ما يتعلق بالعروبة والعرب ... ولشد ما آلمني أن يتوافق تاريخ النكبة الثانية 1967 هذه السنة مع تاريخ العاشر من رمضان ... وفي نفس الوقت يتوافق مع تاريخ بدء ما أراه نكبة جديدة تضاف إلى المسار الانتحاري الذي بدأ العرب السير فيه بوضوح مبين منذ مؤتمر القمة المشؤوم الذي على إثره اتخذت الجامعة العربية قرارا بدعم أمريكا في تدمير العراق .... ذلك التصدع الذي ضرب أركان مجلس التعاون الخليجي.
وقبل أن أستفيض علي أن أنبه القارئ إلى موقف اتخذته من وسائل الإعلام العربية الرسمية وبدأ بالمصرية الرسمية فقد كنا قبل عصر القنوات الفضائية ... فأنا لا آخذ منها أخبارا ما استطعت ببساطة لأنها تسيء إلى مشاعري... وكان السبب ما عشته أثناء الحرب الأولى على العراق "عاصفة الصحراء"، وشكل جزءًا كبيرا من مسار وعيي السياسي على مر السنوات.
أتذكر جيدا حين كانت عبارة "حرب الخليج الثانية" عنوانا أتذكره بصورة فوتوغرافية في ذاكرتي خلف مذيع التليفزيون "العربي" القناة المصرية الأولى وهو ينقل أخبار الحرب على العراق مثلما كانت خلف العقيد أحمد الربيعان الناطق العسكري السعودي... واستمر ذلك يومين ثم تم استبدال الخلفية بعبارة حرب تحرير الكويت...
المرة الأولى تساءلت فيها ماذا كانت الأولى ؟ وبسرعة انتبهت إلى أن هذه العبارة أو التسمية مترجمة من 2nd Gulf War .... وكنت بالطبع أيامها أسميها حرب تدمير العراق ... لكنني شعرت بالاشمئزاز من أولئك الذين يترجمون الأخبار بعناوينها ولا يفقهون.. ولم يزدني انتباههم لتغيير التسمية في القنوات العربية إلا اشمئزازا من استخفافهم بعقول شعوبهم.
منذ ذلك الوقت واظبت على قراءة صحيفة واحدة كانت هي المعارضة الوحيدة المتاحة التي كانت تنطلق من قناعات كقناعاتي .. جريدة الشعب الورقية التي أوقفها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ... ولم أكن أسمع إلا إذاعة لندن أو البي بي سي وراديو مونتكارلو ... وانقطعت تماما عن سماع أو قراءة الأخبار في وسائل الإعلام الرسمية... كنت على يقين بأن ما يحدث لن يأتي أبدا بخير.
أذكر أيامها كذلك وفي تغطية إعلامنا لما كان يحدث في الصومال الشقيق أنهم ظلوا يقولون "محمد فرح عيديد" لأنهم قرؤوا الاسم هكذا من النص الإنجليزي ... ولم ينتبهوا إلى أن الاسم ينطق بالعربية "محمد فارح عيديد" إلا بعد أسابيع... وكانت أخبار الصومال تتصدر نشرات الأخبار مع أخبار العراق.
كانت حرب الخليج الثانية قارعة بما تعنيه الكلمة خلقت للمرة الأولى ربما رأيين مختلفين داخل كل البيوت العربية وعلى الأخص عايشت ذلك في مصر حيث كان الموقف الذي لزم على كل عربي واعٍ أن يتخذه إما مع العراق أو مع أمريكا وإسرائيل تحت عباءة العرب ضد صدام .. وبالفعل انقسمت الناس ... مصر تختلف في علاقتها بالعراق ربما عن أغلب الأقطار العربية فقد كانت من أكثر الدول العربية استقبالا للعمالة من مصر وكان للمصريين وضع خاص جدا بما خلق في كل بناية في مصر محبا للعراق ... ولذلك كان مؤلما لكل مصري واعٍ أن يحدث ما يحدث ويكون موقف مصر بلك السوء الذي كان...... ولم يتكلم باسم هؤلاء داخل مصر وقتها –على ما علمت- إلا جريدة الشعب وكانت تصدر عن حزب العمل كنت أنتظر مقالات أ. عادل حسين يرحمه الله أسبوعيا أو مرتين في الأسبوع أثناء حرب تدمير العراق الأولى في العصر الحديث، واستمر ذلك عدة سنوات.
ثم بعدما أوقفت الدولة المصرية جريدة الشعب ومنعت صدورها... انشغلت لسنوات في بناء كياني الأكاديمي حتى حصلت على الدكتوراه سنة 1996 وكنت أعرف الأخبار من إذاعة البي بي سي أو مونكارلو ... وعندما تمكنت من جمع المال المطلوب لشراء الطبق الفضائي والمستقبل للقنوات الفضائية بعدها بعدة سنين عرفت قناة الجزيرة ولم أكن أستطيع مشاهدتها في بيتي في البداية لعدم امتلاكي المال اللازم لشراء الطبق والمستقبل ..... حتى يسر الله وبدأت أتابعها بانتظام.....
وفي سنة 2002 بدأت العمل كمستشار نفسي اجتماعي لمؤسسة الإسلام على الإنترنت أو إسلام أونلاين وكان موقعا تديره جمعية البلاغ القطرية ويبث من مصر بينما الإدارة العليا في قطر... في هذا المكان بدأ احتكاكي بالإعلام ضيفا يأخذ شكلا مختلفا عما سبق فبينما كنت في السابق طبيبا نفسانيا يقبل الظهور في الإعلام كي يعرفه الناس ... تغير الأمر خاصة صدور كتابي الثالث الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي عن المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب بالكويت.. التغير الذي حصل كان ذا جانبين:
الأول يتعلق بالإحساس العميق بضرورة أن يكون لي دور في توعية المجتمع وكذا بمسئولية الكلمة ... كان ما حصل للعراق تاليا لحرب تدميره الأولى من حصار وتجويع وتفتيش مهين ... وانتهاء بحرب تدميره الثانية دائما يشعرني بضرورة العمل ... وكنت في ذلك كله أتابع الجزيرة والجزيرة فقط.... وكان الانصهار في بوتقة الهم العربي والإسلامي أمرا طبيعي الحدوث نتيجة الاحتكاك بمجموعة العاملين فيه من المستشارين والمشرفين على الأقسام خاصة القسم الاجتماعي والقسم الشرعي...
وأما الجانب الثاني للتغير فكان كثافة ذلك الظهور ... وحين نخلط الجانبين ينتج عندنا صوت طبيب نفساني مسلم يحاول أن يشق طريقه إلى وعي الناس ... كثيرا ما كنت أتحاور أنا وابن عبد الله ود. محمد المهدي عن ما سأقول في البرنامج عن كذا ... كنا أحيانا نحاول توحيد الرسائل التي نرسلها للجمهور وكنا ثلاثتنا كثيري الظهور في الإعلام في السنوات الأخيرة لحكم حسني مبارك.
ما مضى من الحديث كله كان تقديما لدفاع عن قناة الجزيرة لأقول أنها ليست من نوع الإعلام القاصر الي أشار إليه .. وتوقفت عن الكتابة لتأخر الوقت على أن أكمل المدونة في اليوم التالي ... لكنني عندما عدت إلى البيت بدأت تتوالى على سمعي من قناة الجزيرة ومن ما يقرأ ابني الأوسط على الإنترنت أخبار الحصار على قطر ... في الأيام التالية أخذني رمضان وواجباته وعجزت عن الكتابة لإكمال المدونة.. وأثرت علي مدونة د. صادق السامرائي عن الموت بتخمة التحليلات... وليس سرا أنني أصبحت وما زلت أخاف من إكمال الجريمة التي كنت قد بدأتها كاتبا عن الجزيرة .. وما أدراك ما الجزيرة... إنه خلال أيام أصبح الدفاع عن الجزيرة أو الدفاع عن قطر بمثابة التحريض على الإرهاب أو التخابر مع حماس، ومساء الأمس رأيت حلقة في الجزيرة تتناول إغلاق ما يزيد على 100 موقع إنترنت مستقل نظرا لأنها تحرض على الإرهاب ... فما رأيكم معشر مجانين أكمل في العيد أم أسكت يا حلوين ؟؟!! وكل عام وكل المجانين يعيِّدون طيبين.
واقرأ أيضًا:
Air Spinner من لندن إلى الزقازيق