يبدو أن الأمم والمجتمعات عندما تنحط يمتد انحطاطها إلى جميع شؤون الحياة ومشاربها، ومنها الإعلام والفن بأنواعه، كالتمثيل والمسلسلات التلفازية العاصفة في الواقع الشاشوي، وخصوصا في شهر رمضان الكريم، الذي لا تجد فيه إلا دموعا ودماءً وتعبيرات عن أفكار عدوانية وتفاعلات عنفوانية، تساهم في تأجيج النفوس الأمّارة بالسوء والبغضاء، وتشحنها بمعززات السلوك المنحرف والمضطرب أخلاقيا واجتماعيا وعقائديا.
ولست من الذين يتابعون المسلسلات التلفازية العربية، لكنني أحيانا أجدني مجبرا على ذلك، ولا أجد مهربا إلا بإغماض عيوني والانقطاع عن الشاشة بالقراءة أو التفكير بغير ما أرى، فما يُعرض في معظم القنوات لا ينفع ولا يربي ولا ينمي الأخلاق، إنما يدعو للعنف والكراهية وسفك الدماء، وكأن الدنيا لا يوجد فيها إلا العدوان والقتل والسرقة والخيانة والفساد والسوء القبيح، والأثم المبرر والخطايا المعززة بما يساهم في تحبيبها للبشر.
وعندما تتساءل عن الخير فيما ترى، تحتار في الجواب، فالشر يسود والخير موؤود، ولا يمكن تفسير هذا السلوك المتكرر في معظم المسلسلات المعروضة، إلا أن الواقع النفسي قد تدهور وانمحت الأخلاق والقيم وسيطرت على الوعي الجمعي آليات الانحطاط والانقراض المهين. فما تعرضه التلفزة العربية من مسلسلات تكاد تتسم بالانتحارية والإقدام المحبب على القتل والظلم، واغتصاب الحقوق ومحق قيمة الإنسان ودوره في الحياة الحرة الكريمة.
فأين الكتاب الذين يقدمون أفكارا حضارية معاصرة ذات قيمة تربوية ودور إيجابي في بناء الحياة؟
وأين الممثلون والممثلات الواعون لأدوارهم والأفكار التي يجسدونها في أعمالهم، لأهداف وقيم ومبادئ إنسانية سامية صادقة؟!
تساؤلات تنهض أمام الشاشة المعفرة بالمنحط من المعروض بمسمياته المتعددة، وهدفها واحد وهو إشاعة الكراهية وتعزيز العنف والترويج للأفكار السوداء، وتقديم القدوات السيئة للأجيال الناشئة.
فهل من إعادة نظر ومراقبة أخلاقية وثقافية وإبداعية وقيمية لما يُعرض على الشاشات العربية؟!!
وهل من قصص إنسانية ذات معاني تربوية نبيلة تنفع الناس؟!!
ترى هل سنتعلم كيف نُعلم الخير؟!!
واقرأ أيضاً:
القائد الجاهل والشعب العائل؟!! / إمّا وأو!! / صحيح أفكار وفحيح أسفار!! / الممحاة الحضارية!!